طائرة من بوينغ (أرشيف)
طائرة من بوينغ (أرشيف)
الإثنين 18 مارس 2024 / 16:12

"الصدق".. مدرج "بوينغ" الوحيد للخروج من أزمتها

جعلت الحوادث الكثيرة والمتكررة كلّ رحلة طيران على متن عملاق الجو الأمريكي "بوينغ" محفوفة بالمخاطر، ومغامرة مفتوحة، في سموات عالية، قد تنتهي بكارثة حتمية، تشبه إلى حد كبير كوارث تحطم سابقة وصمت تاريخ الشركة الند لـ"إيرباص" الأوروبية.

فلا تكاد تخرج طائرات بوينغ من كبوة حتى تحط في أخرى، وهي كذلك من سنوات طويلة، رغم وعود الشركة بالتغلب على كل مشاكل الإنتاج والجودة، حتى بدت كطفل مضطرب يتدرب على المشي، فيسقط تارة، ويقوم تارة أخرى، كما يصفها كابتن طائرة بوينغ 737 ماكس، دينيس تاغر. 

وسلطت "بي بي سي" في تقرير لها اليوم الإثنين، الضوء على أبرز مشاكل بوينغ، ومكامن الخلل في مراحل التصنيع المعقدة التي تمر بها، والأسباب الرئيسية لتكرار حوادثها المميتة.

ولا تكف المنغصات والأخبار السيئة عن ملاحقة أحلام بوينغ، حتى وإن حلقت بعيداً، فوق الغيوم، فبات كل يوم يحمل معه مزيداً من العناوين المربكة والمهينة لشركة عملاقة تتربع على عرش الطيران العالمي منذ عقود طويلة، إلى أن وقعت تحت ضغوط فائقة من الجهات التنظيمية وزبائنها من شركات الطيران، حتى تضررت سمعتها بشدة.  

جودة سيئة 

في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي بدأت مشكلة جديدة تلاحق الشركة الأمريكية، عندما انفجر باب مخرج الطوارئ في واحدة من طائرات بوينغ 737 ماكس الجديدة، بعد وقت قصير من إقلاعها من مطار بورتلاند الدولي، وخلص تقرير أولي صادر عن المجلس الوطني الأمريكي لسلامة النقل إلى أن 4 مسامير مخصصة لتثبيت الباب بشكل آمن بالطائرة لم يتم تركيبها. وبسبب المسامير الأربعة باتت بوينغ في مواجهة تحقيق جنائي، وملاحقات قانونية من الركاب الذين كانوا على متن الطائرة.

وفي مارس (آذار) الجاري، ذكرت شركة "يونايتد إيرلاينز"، أن طائرة طراز "بوينغ 737" تابعة لها، فقدت لوحاً خارجياً خلال رحلة إلى مدينة "ميدفورد" جنوب ولاية "أوريغون"، وكان على متنها 139 راكباً وطاقماً مكوناً من 6 أفراد. 

بداية الكارثة 

وحلت الكارثة الأكبر على الشركة قبل 5 سنوات، حين تحطمت طائرتان جديدتان من طراز 737 ماكس في حادثين متشابهين تقريباً أوديا بحياة 346 شخصاً، وكان السبب، وجود خلل في برنامج التحكم في الطائرتين.
حاولت بوينغ شطب الحادثين المأساويين من تاريخها، ووافقت على دفع 2.5 مليار دولار  لتسوية تهم الاحتيال، بعد اعترافها بالخداع، على الرغم من أنها دفعت رسمياً في جلسات المحكمة اللاحقة بأنها غير مذنبة.

وواجهت بعد ذلك اتهامات واسعة النطاق بأنها قدمت الأرباح على حياة الركاب.  

وفي أوائل عام 2020، أكدت مجدداً التزامها بمعايير السلامة، ووعد رئيسها التنفيذي المعين حديثاً، ديف كالهون، بأن بوينغ قادرة على "القيام بعمل أفضل. وأفضل بكثير".
ومع ذلك، فإن الحادثتين الأخيرتين في يناير (كانون الثاني) ومارس (آذار) من هذا العام جعلتا الشركة في موضع تساؤل.

"دون التوقعات"

وفي وقت سابق من هذا الشهر، قالت إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية، إن المراجعة التي استمرت 6 أسابيع لعملية إنتاج بوينغ 737 ماكس وجدت "حالات متعددة فشلت فيها الشركات في الامتثال لمتطلبات مراقبة جودة التصنيع".
وجاءت هذه النتائج بعد وقت قصير من تقرير آخر حول ثقافة السلامة في بوينغ من قبل لجنة من الخبراء، والذي وجد مؤشرات "انفصال" بين الإدارة العليا والموظفين الدائمين، بالإضافة إلى علامات على أن الموظفين كانوا مترددين في الإبلاغ عن المشاكل خوفاً من الانتقام.

فجوة مهنية 

ويوافق آدم ديكسون، أحد كبار المدراء السابقين في شركة بوينغ والذي عمل في برنامج 737 ماكس، على أن هناك فجوة بين المديرين التنفيذيين والعمال في المصنع. ويقول، "لقد كانت ثقافة العمل السائدة في شركة بوينغ  مدمرة للثقة على مدار أكثر من عقد".
ويضيف، "يمكنك إضافة خطوات أمان، ويمكنك إضافة إجراءات. لكن القضية الأساسية المتمثلة في عدم الثقة تجعل هذه التغييرات غير فعالة تقريباً".
وظهرت هذا الأسبوع أدلة أخرى على الكيفية التي يمكن أن تعرض بها مشاكل الإنتاج السلامة العامة للركاب للخطر.
وحذرت إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية، من أن حزم الأسلاك التي تم تركيبها بشكل غير صحيح على طائرات 737 ماكس يمكن أن تتضرر، مما يؤدي إلى نشر عناصر التحكم في الأجنحة بشكل غير متوقع، وجعل الطائرة تبدأ في حالة دوران.
وأضافت، أنه إذا لم تتم معالجة ذلك "فقد يؤدي ذلك إلى فقدان السيطرة على الطائرة". ونتيجة لذلك، سيتعين فحص مئات الطائرات الموجودة في الخدمة بالفعل. 
وقالت بوينغ، بناءً على تدقيق إدارة الطيران الفيدرالية، إنها مستمرة "في تنفيذ تغييرات فورية وتطوير خطة عمل شاملة لتعزيز السلامة والجودة، وبناء ثقة عملائنا وركابهم".

"الأرباح أولاً"

وأكد المخبر جون بارنيت، الذي عثر عليه ميتاً في نهاية الأسبوع الماضي، وكان يعمل في مصنع بوينغ في ولاية كارولينا الجنوبية من عام 2010 حتى تقاعده في عام 2017، أن الاندفاع لبناء الطائرات في أسرع وقت ممكن من أجل تحقيق أقصى قدر من الأرباح قد أدى إلى ممارسات غير آمنة. 

وأوضح بارنيت، أنه في بعض الحالات، قام عمال يشتغلون تحت ضغط رهيب، بتركيب أجزاء دون المستوى المطلوب في الطائرات على خط الإنتاج عمداً. ونفت بوينغ مزاعمه، لكن وفاته المفاجئة، التي حدثت بين جلسات الاستماع القانونية في دعوى قضائية ضد الشركة، أثارت شكوكاً أكبر حول بوينغ.

ووفقاً لإد بيرسون، المدير التنفيذي لمؤسسة سلامة الطيران، فإن المشاكل التي تعاني منها بوينغ معقدة، ولكن يمكن حلها.

ويؤكد، "بوينغ وموردوها وشركات الطيران والوكالات الحكومية قادرة على التغلب على هذه التحديات، ولكن الخطوة الأولى في حل هذه المشاكل هي الصدق".