ممرضة مصرية بين حضانتين فيهما طفلين أجليا من غزة بسبب الحرب (واشنطن بوست)
ممرضة مصرية بين حضانتين فيهما طفلين أجليا من غزة بسبب الحرب (واشنطن بوست)
الخميس 15 فبراير 2024 / 14:17

رُضع نجوا من حرب غزة في مواجهة مصير مجهول

حولت الحرب في غزة مصير ملايين السكان إلى مجهول مربك، فباتوا يتخوفون من الخوض في أحاديث عن مستقبلهم، وهم يبحثون بعين أخرى عن أولئك الذين تقطعت بهم السبل، خاصة عشرات الخدج الذين أُجلوا من مجمع الشفاء الطبي إلى خارج القطاع، دون علم ذويهم.

وسلطت صحيفة "واشنطن بوست" في تقرير لها اليوم الخميس، الضوء على مصير عدد من الخدج، بالحديث مع أهاليهم، ومن بينهم شيماء أبو خاطر، التي كانت تجهل تماماً ما حل بفلذة كبدها "كندة"، المولودة حديثاً في خضم الحرب العنيفة على قطاع غزة.

ولدت كندة في 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في الشهر الذي اندلعت فيه أعنف حرب شهدتها غزة، حينها كان منزل عائلة أبو خاطر في شمال القطاع، دُمر في غارة إسرائيلية، وسط خطط عن اقتحام مستشفى الشفاء الطبي، حيث أنجبت الطفلة، وظلت في حضّانة إلى جانب 30 آخرين ممن يشاطرونها المصير نفسه. 

يأس وخوف 

وبسبب اشتداد القتال وحصار مستشفى الشفاء من قبل الجيش الإسرائيلي، نقلت كندة وبقية العاملين والمرضى في قسم الولادة من المجمع الطبي الأكبر في غزة إلى مستشفى آخر، وظلت هناك في الحضانة لأسابيع طويلة، وأمها شيماء تبكي مصيرها بحرقة وألم، وتبحث عنها، وساورها اليأس حينما سمعت في المذياع عن حصار الشفاء ونفاد الوقود، وتعطل الأقسام الطبية، وحاولت هي وزوجها سامر لولو (28 عاماً) العثور عليها، وبحثا في كل مكان وبشتى الطرق، حتى أغاثهم أقارب لهما في الأردن بنبأ عن مصير حياتها، قائلين لهما عبر الهاتف، إنهم عثروا على اسمها في قائمة على الإنترنت ضمن 31 طفلاً تقرر إجلائهم إلى مصر في ظروف أمنية شديدة التعقيد والخطورة، أدت إلى وفاة 8 منهم، وأجبرت 3 على التخلف عن موكب الإنقاذ المتجه إلى مصر. 

ومن مات من الأطفال الرضع الـ31 عُرِف مصيرهم، أما الـ23 الذين بقوا على قيد الحياة، فكثير منهم يواجهون مستقبلاً غامضاً مليئاً بالشك وعدم اليقين، باستثناء من حالفهم الحفظ، وجمع شملهم بذويهم بظروف لا عجب في وصفها بالتعجيزية. 

وتقول الصحيفة، الكثير من هؤلاء الأطفال الرضع يعيشون الآن في مستشفى بمفردهم، بعدما قتلت عائلاتهم أو تقطعت بهم السبل، مما يثير أسئلة محيرة حول من يرعاهم مستقبلاً، وماذا سيحل بهم حين تنتهي الحرب المستمرة منذ 5 أشهر.

وتضيف الصحيفة، أن الهجوم الإسرائيلي المدمر على غزة، أجبر على سبيل التوضيح لا الحصر، ممرضة على ترك أطفالها وراءها، وعثر على جثتها لاحقاً متحللة. 

وتفاصيل رحلة عائلة أبو خاطر في البحث عن فقيدتهم كندة، محفوفة بالمخاطر، فهم بداية توجهوا جنوباً خلال الهدنة التي تخللت القتال في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي متوجهين إلى رفح، حيث نقطة الاتصال الوحيدة بالعالم الخارجي عبر المعبر الحدودي مع مصر، ونام الزوجان ليال عديدة في الشوارع، إلى أن سمح لشيماء وحدها دون زوجها بالعبور إلى مصر في أوائل ديسمبر (كانون الأول) الماضي. 

وبعد وصول الأم شيماء إلى مكان وجود ابنتها في أحد مستشفيات العاصمة الإدارية الجديدة في القاهرة، وجدتها في حالة صحية صعبة، تعاني من التهاب في الكبد، ومشاكل في الأمعاء، حرمتها من تناول الحليب، معتمدة على السوائل والمغذيات عبر الوريد للبقاء على قيد الحياة، ولكن مع مرور الأيام والأسابيع، بدأت بالتحسن تدريجياً، حتى خرجت من الحضّانه في نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، لتتمكن أمها من احتضانها لأول مرة منذ ولادتها، وتقول للصحيفة وعينيها غارقتين بالدمع، "الآن أشعر كأم، ولم يسبق أن شعرت بهذا الإحساس من قبل".

شيماء أبو خاطر تحتضن فلذة كبدها كندة لأول مرة

وفي غرفة أخرى في المستشفى الحديث، كان هناك 8 أطفال يرقدون على أسرتهم دون أن يسأل عنهم أحد، أو يطالب بهم، فلا أسماء لهم، ولكنهم يعرفون فقط من خلال أسماء أمهاتهم المكتوبة على كواحلهم، في سلوك اتبعه كثير من أهالي غزة للتعرف على هويات أقربائهم أو أبنائهم مع اشتداد ضراوة الحرب. 

حياة من رحم الموت

وبفضل التقارير والأخبار التي توثق باستمرار ويلات الحرب في غزة، عرف مصير عائلات اثنين من الأطفال المتواجدين في مصر، كان أولهم ابن "فاطمة الهرش" النائم على وجهه بسكون تام مرتدياً زياً مخططاً، الوحيد الناجي من أفراد عائلته الـ11 الذين قتلوا جميعاً في غارة جوية استهدفت منزلهم في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

ونجا ابن فاطمة الهرش بأعجوبة، فأمه التي لم ولن يلتقيها، أصيبت بالغارة المدمرة بجراح خطرة، خضعت بعدها لعملية توليد قيصرية أنجبته بها وأسلمت روحها في أحد مستشفيات شمال غزة. 
أما ابن "حليمة عبد ربه"، فلا يستطيع فتح عينه اليمنى المصابة بجروح جراء هجوم إسرائيلي، وتُظهر صورة لملفه الطبي، تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي، ملاحظة مكتوبة بخط اليد، "أفراد الأسرة جميعهم شهداء". وتقول التقارير، عندما وصل الأطفال إلى المستشفى المصري، اعتقد الطاقم الطبي أن فرصتهم في البقاء على قيد الحياة أقل من 20%. ووفقاً لخالد راشد، طبيب الأطفال حديثي الولادة، فإنهم كانوا يعانون من الجفاف الشديد، وعاجزين عن التنفس بمفردهم. وأضاف أنهم أصيبوا بالعدوى أثناء الرحلة، مما تسبب في تلوث دمائهم، ما عرضهم لخطر الموت الذي أسكت 5 من الأطفال الـ 28 الواصلين إلى مصر.
وقال راشد الأسبوع الماضي، وهو يتفقد حضّانة مليئة بالرضع النائمين، "بذل جميع الموظفين هنا قصارى جهدهم للحفاظ على حياتهم، والحمد لله نجحوا مع بعض هؤلاء الأطفال".

وعند نقل الأطفال إلى مصر، تمكنت 5 أمهات من مرافقة أبنائهن، وفقاً لأسامة النمس، وهو ممرض من غزة وصل معهن وبقي في المستشفى المصري لمدة شهرين تقريباً. وقال النمس، "تركنا أرقام هواتفنا في كل مكان ليتواصل معنا أهالي الأطفال الآخرين، وخلال الهدنة في نوفمبر (تشرين الثاني)، تواصلت معنا 8 أمهات وأبوين، واستطاعوا فيما بعد السفر إلى مصر بعد الموافقة على اجتيازهم معبر رفح ليلتئم شملهم بأبنائهم لأول مرة".
والآن، وبعد مرور أشهر على العلاج والرعاية، خرج جميع الأطفال تقريباً من العناية المركزة، وأصبحوا قادرين على الرضاعة لوحدهم، وبدأوا بكسب الوزن،  

مصير مجهول 

أما بالنسبة للثمانية الذين لم يطالب بهم أحد، يبدو أن لا أحد يعرف مكان والديهم، أو ما إذا كانوا لا يزالون على قيد الحياة. ويقول موظفو المستشفى، إن لديهم القليل من المعلومات عنهم، وليس من مهمتهم التحقيق والبحث في مصيرهم. ويؤكد المدير العام للمستشفى رمزي منير عبد العظيم، إنه بعد ما يقرب من ثلاثة أشهر من رعايتهم، "أصبحت جميع الممرضات أمهاتهم الآن".

وأرسل بعض الأطفال الشهر الماضي إلى دار رعاية في القاهرة مع أمهاتهم، أصيب توأم منهم بنزلة برد أودت بحياتهما، ما سلط الضوء على هشاشة صحتهم،  ودفع المستشفى المصري إلى وقف نقلهم إلى أي مكان آخر. 
وقال مسؤول مصري، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن "مصر ستواصل الاهتمام بهؤلاء الأطفال حتى يتم التنسيق مع السلطات الفلسطينية المعنية بمستقبلهم".