رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو (أرشيف)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو (أرشيف)
الأربعاء 8 مايو 2024 / 22:27

ورطة نتانياهو.. إنقاذ الرهائن أم الحكومة

في واحدة من أكبر المقامرات في مسيرته، أرسل رئيس الوزراء الإسرائيلي قوات إلى رفح لزيادة الضغط على حماس، وكسب الوقت.

وأشار تقرير لنيري زيلبر، وميهول سريفاستافا، وأندرو إنغلاند في "فايننشال تايمز" يشير إلى أن نتانياهو انتظر عدة أشهر قبل أن يرسل قوات إلى رفح، وهي الخطوة التي أقدم عليها بعد ساعات من إشارة حماس أخيرا إلى قبولها الخطوط العريضة لاقتراح وقف إطلاق النار ، وتبادل الرهائن والأسرى الذي وضعه الوسطاء.
ومع حلول الليل، كان سكان غزة يحتفلون في الشوارع؛ ولكن مع أول ضوء يوم الثلاثاء، سيطرت دبابات الجيش الإسرائيلي على معبر رفح، الحدودي الأكثر أهمية مع مصر، حيث كان العلم الإسرائيلي يرفرف فوق منفذ غزة الوحيد إلى العالم العربي.

مقامرة نتانياهو

 

ووفق التقرير، يمثل االقرار إحدى أكبر المقامرات في مسيرة نتانياهو الطويلة.فوقف القتال لإطلاق سراح الرهائن من شأنه أن يجعل حماس مبتهجة، والعديد من قادتها، بمن فيهم يحيى السنوار، طلقاء، لكن رفض صفقة التوغل أكثر في رفح من شأنه أن يهدد بخرق جوهري في العلاقات مع الولايات المتحدة، ويترك مصير الرهائن غير مؤكد.

جعل هذا مصير الرهائن الـ 132 الذين لا يزالون لدى حماس واحدة من المعضلات الشائكة التي تواجه رئاسة نتانياهو للوزراء، وهي المعضلة التي تتشابك فيها مسيرته السياسية،  مع أمن إسرائيل بشكل لا ينفصم.
"إما رفح أو الرهائن" هكذا كُتب على لافتة في مظاهرة لعائلات الرهائن، أغلقت الطريق السريع الرئيسي في تل أبيب الخميس الماضي.
وفي مواجهة هذه الخيارات الصعبة، اتخذ نتانياهو هذا الأسبوع مساراً مميزاً، حيث قرر أن يشترى الوقت، وفق الصحيفة.
وقالت الحكومة إن القوات الإسرائيلية توغلت في شرق رفح، لزيادة الضغط على حماس، بينما توجه فريق من المفاوضين "على مستوى العمل" إلى القاهرة "لاستنفاد إمكانية التوصل إلى اتفاق في ظل ظروف مقبولة من إسرائيل". ويصور منتقدو نتانياهو قراره، على شكل حيلة  لتهدئة شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف وإحباط صفقة الرهائن التي قد تؤدي إلى إسقاط حكومته. أما عند المتعاطفين معه، كان ذلك بمثابة خطوة محسوبة للتخفيف من مطالب حماس.
وقال نداف شتراوشلر، الخبير الاستراتيجي السياسي إنها "مجموعة شبه مستحيلة له، فهو عالق بين مختلف أقسام حكومته، وأجزاء مختلفة من الرأي العام الإسرائيلي، بين مصير الرهائن، واستمرار الحرب مع الولايات المتحدة".
ويضي: "عملت مع نتانياهو من قبل، إن الأمور السياسية والدبلوماسية والأمنية كلها مرتبطة ومعقدة."
وفي المرحلة الأخيرة من محادثات الرهائن، كان نتانياهو قد فعل الكثير بالفعل للحد من المناورة المتاحة أمام مدير وكالة المخابرات المركزية وليام ببرنز، ورئيس المخابرات المصرية عباس كامل، ورئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني.

وباتفاق أو لا، تعهد نتانياهو بأن إسرائيل ستغزو رفح ، رافضاً الشرط الرئيسي الذي وضعته حماس.
لكن قبول حماس الواضح للاقتراح كانت له نتيجة مفاجئة، وهي توحيد نتانياهو مع خصومه السياسيين في حكومة الحرب، حتى بيني غانتس، قائد الجيش السابق الذي تظهر استطلاعات الرأي أنه يمكن أن يطيح بنتانياهو في انتخابات مبكرة، وافق على دخول رفح.
وزعم غانتس، أن حماس وافقت على شروط لا "تتوافق مع الحوار الذي دار حتى الآن مع الوسطاء".
وقال شتراوشلر إنه كان تحولاً سياسياً دراماتيكياً لنتانياهو منذ عطلة نهاية الأسبوع، عندما بدا أن التوصل إلى اتفاق على ما يعتقد الإسرائيليون أنها الشروط الأصلية وشيك.
ويضيف: "يبدو أن الصفقة تصاغ وراء ظهره، وفي أقل من 72 ساعة تمكن من الحصول على إجماع لرفض اقتراح حماس وإصدار قرار بدخول رفح".

لكن دبلوماسياً مطلعاً على المفاوضات المحمومة في نهاية الأسبوع قال إن الاقتراح الذي قبلته حماس كان مماثلاً للاقتراح الذي أيدته إسرائيل في السابق.
وبينما كان بيرنز يتنقل من القاهرة إلى الدوحة، سعت حماس إلى الحصول على ضمانات أمريكية بأن الاتفاق سينتهي بوقف دائم لإطلاق النار ـ وهو المطلب القديم الذي رفضته إسرائيل تماماً.
وسعى الوسطاء إلى تهدئة مخاوف حماس بتأكيد أن الإشارة إلى "الهدوء المستدام" في المرحلة الثانية من الصفقة ، وهي اللغة التي قبلتها إسرائيل في السابق، كانت بمثابة ضمانة لخلق الظروف الملائمة لإنهاء الصراع.
وقال مخيمر أبو سعدة، الأستاذ بجامعة الأزهر في غزة، الذي يعيش الآن في المنفى بالقاهرة، إن التوغل الإسرائيلي في رفح غيّر على الفور الحسابات في الجيب المحاصر.

ويضيف أنه مع مقتل ما يقرب من 35 ألف فلسطيني في سبعة أشهر من الهجوم الإسرائيلي على غزة، وتدمير "منازلهم ومدارسهم ومستشفياتهم وطرقهم وخطوط الكهرباء والمياه بالكامل"، فإن أي وقف لإطلاق النار سيكون مقبولاً للفلسطينيين، لإنقاذ من تبقى منهم.
ويتابع:"ليست لحماس اليد العليا، لكنها ليست لنتانياهو أيضا،ً الآن بعد أن قبلت حماس بنوع من الصفقة، فهو في معضلة كبيرة".
ويشك بعض الإسرائيليين داخل الحكومة في أن رغبة حماس في الصمود في صفقة الرهائن، كانت مدفوعة من السنوار، زعيم الجماعة في غزة الذي خلص إلى أن الحرب على وشك الانتهاء على أي حال.
ويقول مصدر مطلع على خطط الحرب الإسرائيلية، عن السنوار إنه "لا يريدأن يدفع ثمن شيء سيحصل عليه مجاناً، إنه يعتقد أن العالم سيوقف إسرائيل".


إدانات دولية

أثار التوغل الإسرائيلي في رفح إدانة دولية شديدة، من الاتحاد الأوروبي إلى  السعودية. كما أنه مثل تحدياً للرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي دفع لإنهاء الحرب وقتل إن عملية رفح التي تعرض المدنيين الفلسطينيين للخطر، هي خط أحمر عنده.
أما في مصر، يُنظر إلى الأمر باعتباره تهديدًا خطيرًا للأمن القومي، مع مخاوف من أن يؤدي القتال العنيف بين الجيش الإسرائيلي وحماس على طول حدودها مع غزة التي يبلغ طولها 14 كيلومترًا إلى نزوح عشرات آلاف الفلسطينيين اليائسين إلى شبه جزيرة سيناء.

وقال مسؤول إسرائيلي مطلع على المناقشات بين إسرائيل وضباط المخابرات المصرية: "المصريون مرعوبون، غاضبون ومرهقون من إسرائيل، إنهم يرون الصفقة التي أنتجوها، وفجأة، لن توقع إسرائيل".
إن مصير المفاوضات الآن معلق على التفاصيل الدقيقة، وفق أحد المشاركين في الدبلوماسية المكوكية المحمومة.
وتوفر مسودة الاقتراح على نطاق واسع الفرصة لإطلاق سراح 33 رهينة إسرائيلية، بمن فيهم النساء والأطفال والمسنين والجرحى، مقابل إطلاق سراح مئات السجناء الفلسطينيين؛ والسماح لسكان غزة بالعودة إلى شمال القطاع؛ وزيادة في المساعدات الإنسانية.
وسيتبع ذلك ما يأمل الوسطاء أن يكون وقفًا ممتدًا لإطلاق النار، يطلق خلاله سراح بقية الرهائن.
واقترح الوسطاء صياغة حول "الهدوء المستدام" في محاولة لكسر الجمود بعد دعوات حماس لوقف دائم لإطلاق النار وإصرار إسرائيل على أن أي اتفاق لن يؤدي إلى إنهاء الحرب.
ويعتقد مسؤولون إسرائيليون أن 37 على الأقل من الرهائن الـ 132 في غزة ربما ماتوا بالفعل، كما أن بينهم الكثير من الجرحى، وكبار السن.
وإذا ثبت أن المحادثات لإطلاق سراحهم غير مثمرة، فلن يكون أمام نتانياهو خيار غير غزو رفح بأكملها، رغم التكاليف الإنسانية والرد الدبلوماسي.
وقال يسرائيل زيف، وهو لواء متقاعد كان يرأس فرقة غزة في الجيش الإسرائيلي إن "الأسس السياسية ضيقة للغاية، هذا إذا كانت هناك أرضية على الإطلاق، إذا لم يكن هناك اتفاق، عليه أن يذهب إلى رفح، والذهاب إلى رفح يعني أن عليه أن يواجه العواقب".

إن إحجام نتانياهو  خلال عقود من مقاومة الضغوط الدولية  عن التنازل حتى عن أصغر التنازلات للفلسطينيين، استنفد أي ثقة لدى منتقديه في دوافعه.
وقال يائير جولان، وهو جنرال إسرائيلي متقاعد وسياسي يساري، إنه سيكون داعمًا إذا كان إرسال قوات إسرائيلية إلى رفح خطوة تكتيكية لزيادة الضغط على حماس للتوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن، لكنه متشكك في ذلك.
وقال جولان: "قوض رئيس الوزراء محاولات التفاوض السابقة، لذلك قد يكون هذا مجرد وسيلة لتجنب إنهاء الحرب، وكسب الوقت، السؤال الرئيسي هو، هل يريد نتانياهو حقا التوصل إلى اتفاق أم لا؟ استنتاجي هو أنه لا يريد ذلك، لأسباب سياسية".