الخميس 25 أبريل 2024 / 18:47

تصريحات" ماكرون".. والاستراتيجيّة الأوروبيّة

منذ إن بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا (24 فبراير 2022م)، ثم تطوره إلى حرب ضروس لم تضع أوزارها بعد، بَدَتْ الدول الأوروبية في حال دفاع، وجاء موقفها محتشماً، ثم تحول إلى دعم شبه مطلق إلى أوكرانيا، وأبدت مواقف موحدة، وإن اختلفت في التفاصيل بين دولة وأخرى، لكنها لم تكن مستقلة من ناحية مواجهة روسيا، لأنها تمت تحت إشراف أمريكي موجّه وعلني، ناهيك على أنها كشفت عن تبعيتها للسياسة الأمريكية، وتناست مواقف كثير من القادة الأمريكيين التي جاءت في تصريحاتهم العلنية، والتي اعتبرت أوروبا قارة عجوز.

على مستوى البعد الجيوـ استراتيجي، لم تنفرد دول الاتحاد الأوروبي باتخاذ القرار بخصوص الحرب الدائرة في أوكرانيا، مع أنها وقعت في فضائها الأوروبي، وهي تهديد مباشر لها في كل الأحوال، وبنت مواقفها في كل مراحل الحرب ـ التي لا تزال مشتعلة ـ على ردّ الفعل الأمريكي، ناهيك على أن دعمها لأوكرانيا كان أقل مقارنة بالدعم المالي والعسكري الأمريكي، والأرقام تشهد على ذلك.
تعرف دول الاتحاد الأوروبي، بل وتًعْترف، أنها تعيش ـ مثل كثير من دول العالم ـ تحت سيطرة العصر الأمريكي، وهي وإن كانت في حال من الخوف الدائم منه، إلا أنها تجد نفسها مضطرة للخضوع إليه، كونه يقود الغرب في مواجهة القوى التقليدية، والأخرى الصاعدة، أو التي هي في طور التشكل، وتعمل لأجل أن تنسق معه المواجهة على كل الصّعد، وفي كل الجبهات، ومنها بوجه خاص الجبهة الروسية.
على خلفيَّة هذا يمكن لنا قراءة دعوة الرئيس الفرنسي" إيمانويل ماكرون"، الدول الأوروبية إلى" صياغة استراتيجية دفاعية أوروبية ذات مصداقية"، والهدف منها مواجهة" الصواريخ الروسية"، وهو الهدف نفسه، الذي تسعى إليه الولايات المتحدة الأمريكية من دعمها لأوكرانيا، ولمواجهة روسيا في مناطق نفوذها في العالم أيضا. 
هناك إذن شعور بالخطر من طرف فرنسا كما جاء على لسان رئيسها ليس فقط من المخاطر العسكرية والاقتصادية، التي قد تجعل "أوروبا تموت"، أو "تتراجع" أمام القوى العظمى الأخرى، كما ذكر ماكرون فحسب، وإنما أيضاً لأن الاستراتيجية الأوروبية تأثرت ـ خلال العقود الماضية ـ بتكتيك كل دولة على حساب الدول الأخرى داخل الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي جعل الموقف الأوروبي" من إعادة التسلح الواسعة في العالم لا يزال ضعيفاً للغاية" كما ذكر ماكرون.
عمليّاً، فإن الرئيس ماكرون محق في رؤية تلك، ومن الأمثلة الدالة على صواب ما ذهب إليه، هو أن روسيا وروسيا البيضا عقدتا اتفاقا العام الماضي لنشر وتخزين أسلحة نووية تكتيكية، في مواقع استراتيجية، وبناء على ذلك الاتفاق، تم نشر العشرات "من الأسلحة النووية التكتيكية الروسية" في روسيا البيضاء، كما أعلن رئيس هذه الأخيرة "الخميس 25 أبريل (نيسان) 2024"، وهي المرة الأولى التي تنشر فيها روسيا صواريخ نووية في دولة أجنبية منذ الحقبة السوفيتية.
والسؤال هنا: أين كانت أوروبا قبل أن يدخل الاتفاق بين روسيا وروسيا البيضاء حيّز التطبيق؟
لا يبدو أن دول الاتحاد الأوروبي تسعى إلى مواجهة فعليّة مع روسيا، وذلك لسببين: أولها تكلفة الحرب ونتائجها المباشرة والسلبية على القارة، وثانيها: التخوف من استفراد الولايات المتحدة بالعالم، أو ظهور قوى جديدة تحتل مكانة أوروبا، لهذا ولغيره تتبنّى إلى الآن سياسة دفاعية.
ومهما تكن تصريحات القادة الأوروبيين، خاصَّة الرئيس الفرنسي، حول وضع استراتيجية تحمي القارة الأوروبية في جميع المجلات، فإنها عوامل كثيرة تحول دون تحقيقها، نذكر منها 4 أساسية، هي:
ـ صعوبة، وربما تعذُّر، فك الارتباط الأوروبي بالولايات المتحدة الأمريكية
ــ تعارض، أو تناقُض المصالح الوطنية بين الدول الأوروبية، خاصَّة الفاعلة منها، مثل: ألمانيا وفرنسا وإيطاليا.
ــ الارتباطات، أو التعاقدات، بين أوروبا وبين الدول الأخرى، خاصة المصدرة للطاقة.
ــ الخوف، أو الخشية، من دخول الحرب ضد روسيا بناء على تجارب الحروب السابقة.