(رويترز)
(رويترز)
الأربعاء 24 أبريل 2024 / 09:01

طعن الراهب.. دعم "الأخوة الإنسانية"

رشيد الخيّون - الاتحاد الإماراتية

جرت محاولة اغتيال للراهب العراقي- الأسترالي مار ماري عمانوئيل، خلال موعظته في كنيسته "المسيح الراعي الصالح"(15 /4/ 2024)، الكائنة بمدينة وايكلي، غرب العاصمة الأسترالية. فاجأه مراهق عمره من 15-16 عاماً، بطعنات، نُقل على إثرها إلى المستشفى. صرحت الشرطة، بأنه "عمل متطرف مدفوع بدوافع دينية".

كان الراهب منفرداً، في مواعظه، على خلاف طبيعة خطاب الرهبان الوعظي. تجده يتناول السياسة، ويرد على ما يُثار في شبكة الإنترنت، مِن المقارنة بين الأديان، وبين الأنبياء، فيدخل في خلاف ديني، مصرحاً لماذا يعتقد بالإنجيل دون غيره، بمعنى كان إشكالياً في خطبه. لذا، أنشأ كنيسته الخاصة. هاجر مِن العراق قبل دخوله الخدمة الكنسية، وترسيمه أسقفاً، ضمن أبرشية أستراليا ونيوزيلندا، التابعة للكنيسة الشرقية.
كان حاضراً بقوة في المواقع الإلكترونية، هدَّده صاحب موقع تحريضي، بعبارة "انتظر ما يسوءك"(مارس 2023)، مُذكراً إياه بمصير راهب قبله، مع مناقشة جارحة لأفكاره، وبالتالي وضعه أمام الناس مستحقاً التصفية الجسدية.
حسب تاريخ موقع هذا المحرض، أنه كان ضمن إعلام جماعة "الإخوان المسلمين"، في غمرة التظاهرات ضدهم، وبعد زوالهم مِن الحُكم (2013). اتخذ هذا المحرض، مِن موقعه منصة ضد المسيحيين، بالمقابل توجد منصات مسيحية تقوم بالرد، فتشتد المواجهات، كثفتها حادثة طعن الراهب، فظهرت التحريضات السابقة ضده، خلال البحث عن مقدمات محاولة الاغتيال.
هذا، والإنترنت ومواقعه، جمعت العالم، وحولته إلى قرية، يطفح حولها الشر والخير. تابعتُ ما قدمته تلك المواقع، عن القضية، وهي تدق طبول حرب عقائدية دينية، خارج ما يعبرون عنه بـ "الرأي والرأي الآخر"، فتلك برامج زعيق، واعتداء، وتسقيط، فلا نتصور حواراتها كالتي كانت بين الخليفة المهدي بن المنصور العباسي (158-169هجرية) وجاثليق الكنيسة الشرقية طيمثاوس الكبير ببغداد، ولا هي بحدود ما عُرف بالمباهلة (المواجهة الحوارية)، أو ما يعبر عنه بالمناظرة، إنما جدل، يحضره المتجادلون، للرد والمواجهة النارية، التي تمهد لحروب ومقاتل، داخل البلد الواحد، وبين البلدان.
أكثر هذه المواقع، على المستوى الديني أو المذهبي، تبث مِن بلدان الحرية الإعلامية والفكرية، مع أنها لا تنتمي لعمل إعلامي، ولا خلاف فكري، بل بيانات معارك. ومعلوم أن "الْعَدَاوَةُ عَلَى الدِّينِ، الْعَدَاوَةُ الَّتِي لَا زَوَالَ لَهَا، إِلَّا بِانْتِقَالِ أَحَدِ الْمُتَعادِيَيْنِ، إِلَى مِلَّةٍ الْآخَرِ مِنْهُمَا"(الطَبريّ، جامع البيان)، أخطر العداوات، إما القتل وإما دخول دين عدوك. فكم تكون إشاعة الإخوة الإنسانية مهمة، بها وحدها يتحقق منطوق الآية: "لكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ"، الآية التي لم تسلم من النسخ، نسخها فقهاء "الناسخ والمنسوخ" بآية السيف (البغدادي، الناسخ والمنسوخ).
أرى أن طعن الراهب، واحدة مِن موجبات دعم الأخوة الإنسانية، ولا مناصَ من تبنيها عالمياً، وكانت البادرة بأبوظبي "وثيقة الأخوة الإنسانية"، 4 فبراير (شباط) 2019، لخلق ثقافة تبعد شبح القتل بسبب ديني، أو الإكراه، وفق تأكيد الآية: "لَا إِكراهَ فِي الدّين".
أقول: مهما كانت حدة الجدل، بين أهل الأديان، لا تكون حياة الإنسان ثمناً، فهذا المراهق الذي حاول قتل الراهب مأخوذاً بخطاب العنف، التي تبثه الفضائيات والمواقع، وطعن الراهب اليوم سبقه قتل العشرات في مساجد نيوزيلندا، في 15 مارس (آذار) 2019.
بروح السيد المسيح، قال الراهب لطاعنه بتسجيل بثه بالإنجليزية: "أنت ابني وأنا أحبك، وسوف أُصلي مِن أجلك، وأسامح مَن أرسلك لهذا الفعل".
أقول: ما كانت "وثيقة الأخوة الإنسانية" يوقعها حَبر المسيحيين وشيخ المسلمين، على أرض الإمارات، لولا أن "بلغ السَّيل الزّبى"، بالعنف الديني.
لعل محمد مهدي الجواهري (ت: 1997) حسب، قبل أكثر من مئة عام، حساب هذه الوثيقة الإنسانية، وحساب العنف بين الأديان، أهل الشرق خصوصاً، عندما قال: "وقد خبروني أن في الشرق وحدة/كنائسه تدعو فتبكي الجوامعُ"(النَّجف 1921).