رياض سلامة.
رياض سلامة.
الأحد 20 أغسطس 2023 / 22:26

فايننشال تايمز: رياض سلامة الساحر الذي نهب لبنان

24- طارق العليان

قرر المدعي العام في الدائرة الجنوبية لنيويورك فتح تحقيق في حق حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، وذلك على أثر العقوبات الأميركية الصادرة بحقه، مشيراً إلى أن سلامة، بعد مغادرته المصرف المركزي، أرسل ذاكرة وميضية (فلاش ميموري) إلى خارج البلاد تحمل أسراراً عن عمله، تحسباً في حال حصل له أي مكروه.

على عكس معظم اللبنانيين، يبدو أن ثروة سلامة الشخصية قد زادت خلال الأزمة


وقالت صحيفة "فايننشال تايمز" أنه في يونيو (حزيران) 2021، وأثناء معاناة لبنان من أزمة مالية منهكة، هبط محافظ البنك المركزي في مطار لو بورجيه في باريس بطائرة خاصة، حيث وجده مسؤولو الجمارك يحمل كميات كبيرة من النقود غير المصرح بها.
وأبلغ سلامة ضباط الحدود في البداية أنه كان يحمل 15 ألف يورو فقط. لكنّهم قاموا بتفتيش حقائبه، ووجدوا بدلاً من ذلك 84430 يورو و7710 دولارات. وعندما طُلب منه تبرير المبالغ غير المعلَنة، قال إنّه ببساطة نسي أنّ النّقود الخاصّة به كانت في حقيبته؛ كما تظهر سجلّات الشّرطة.


وقالت ريا جلبي، مراسلة "فاينانشال تايمز" في بيروت، يبدو أن الوجه العام للانهيار المالي في لبنان قد ينسى حوالى 100 ألف دولار عندما حُرم ملايين اللبنانيين من مدخرات حياتهم منذ انهيار النظام المصرفي في البلاد قبل عامين ، مما يدل على الفجوة العميقة بين أسلوب حياته وأسلوب حياة معظمهم في عام 2021. ففي الوقت الذي أنفق فيه سلامة ببذخ على الطائرات الخاصة وعاشقاته المزعومات، رأى اللبنانيون أن قيمة مدخراتهم تنخفض، وأصبحت رواتب موظفي الخدمة المدنية الآن أقل من 100 دولار شهرياً.
غادر سلامة مكاتب البنك المركزي اللبناني للمرة الأخيرة في يوليو (تموز)، وهتف حشد صغير من المؤيدين للرجل البالغ من العمر 73 عاماً. لكن سمعته الآن في حالة يرثى لها، وشوهت خدمته التي استمرت ثلاثين عاماً في بنك لبنان باتهامات بأنه ساعد في قيادة البلاد إلى الخراب. وتم تشبيه النظام المالي الذي ساعد في صياغته بمخطط بونزي، وهو نظام أفقر ثلاثة أرباع السكان لكنه ترك أغنياءه - بمن فيهم هو نفسه - سالماً إلى حد كبير.
ووفق التقرير، أصبح سلامة محور التحقيقات القضائية في لبنان والولايات المتحدة وسبع دول أوروبية وجميعها تحقق في مزاعم الجرائم المالية، اثنتان منها أصدرتا مذكرات توقيف بحقه.
وأشار التقرير إلى أن مكتب المدعي العام الأمريكي في المنطقة الجنوبية من نيويورك فتح تحقيقاً في قضية سلامة، ونقلت الصحيفة عن متحدث باسم مكتب المدعي العام الأمريكي قوله إن صعود سلامة وسقوطه يعكسان حالة البلاد، التي عانت لعقود من الغطرسة والخداع والفساد، وهي الآن غارقة في ما وصفه البنك الدولي بأنه أحد أسوأ فترات الكساد الاقتصادي في العالم، بتدبير من النخبة في البلاد التي استولت على الدولة منذ فترة طويلة وعاشت على عوائده الاقتصادية .

تقارير قضائية تدين سلامة

وأشارت الصحيفة البريطانية إلى وثائق وتقارير من التحقيقات القضائية الأوروبية واللبنانية، تشير إلى مزاعم تورط سلامة في ممارسات مالية "على حساب الدولة" ، وغسل أموال، وتورط في احتيال مالي واختلاس الأموال العامة. وتشمل هذه تقارير المحاكم والشرطة والسجلات المالية وتقارير المدققين والميزانيات العمومية للشركة وعقود العقارات بالإضافة إلى نصوص شهادات الشهود من أتباع سلامة.
وذكرت "فايننشال تايمز" أن سلامة متهم هو وشقيقه رجا بسرقة ما لا يقل عن 330 مليون دولار من الأموال العامة، ونقلها عبر حسابات مصرفية دولية وحسابات خارجية مرتبطة بعائلته وشراء عقارات فاخرة من ميونيخ إلى نيويورك، والاحتيال على البنك المركزي لاستئجار مساحات مكتبية باهظة الثمن في باريس من شركة يملكها.


وتشير الوثائق أيضاً إلى التأثير الواسع لسلامة على القطاع المصرفي اللبناني، حيث اقترح المحققون أنه تواطأ مع البنوك التجارية من أجل المنفعة المتبادلة من خلال "معاملات مشبوهة" وقروض دون فوائد و "ترتيبات لإخفاء الخسائر". ويبحث المحققون في أوروبا أيضاً في مدى مشاركة البنوك في هذه المخططات".
وأوضح التقرير أن سلسة الجرائم المزعومة التي ارتكبها سلامة ساهمت في تفشي الفساد في لبنان ورسخت فكرة أن النخب في لبنان لا تحتاج إلى الالتزام بالقواعد ذاتها التي تنطبق على جميع اللبنانيين.
من جهته، رفض سلامة التعليق على "فايننشيال تايمز" بشأن التحقيقات الجارية، لأنه "يحترم القانون وسرية الاستجوابات"، على حد قوله.
وأشارت الصحيفة الى أن نفوذ سلامة "نما بين الرعاة الأجانب والمصرفيين والنخب السياسية". تقول مصادر مصرفية رفيعة وموظفون سابقون في مصرف لبنان إن سلامة أدار مصرف لبنان مثل امبراطور ، وتزعم الوثائق القضائية أن لديه "سيطرة مطلقة" على عملياته. كما استفاد من عمليات الإنقاذ وشروط القروض المواتية لكسب المصرفيين المرتبطين بالسياسة. وبدأ تدفق الأموال الخليجية في التباطؤ بعد سنوات من عدم الاستقرار ، بما في ذلك حرب عام 2006 بين حزب الله وإسرائيل والحرب في سوريا. وتحول سلامة إلى ما أسماه "الهندسة المالية": تحفيز البنوك التجارية على زيادة ودائعها الدولارية في مصرف لبنان بفائدة تصل إلى 12 في المئة، من أجل تدعيم المخزون الضخم من الاحتياطيات الأجنبية التي كانت أساسية لاستقرار العملة. في المقابل، قدمت البنوك معدلات فائدة عالية للغاية لعملائها على الودائع متعددة السنوات".

ثروة سلامة

وقالت "فاينانشال تايمز": على عكس معظم اللبنانيين، يبدو أن ثروة سلامة الشخصية قد زادت خلال الأزمة. وفي وقت سابق من هذا العام، أخبر سلامة المحققين الأوروبيين أثناء استجوابه أنه في عام 1993 بلغت قيمة ممتلكاته النقدية والعقارات 60 مليون دولار ، بما في ذلك 8 ملايين دولار من أراضي العائلة الموروثة. وقال إن ثروته الآن تبلغ 200 مليون دولار، مما يعني أنه كان سيضاعف ثروته الفعلية أكثر من ثلاثة أضعاف في غضون 30 عاماً.
وقال سلامة إن ثروته تراكمت في سنوات عمله كمصرفي استثماري وما تلاه من استثمارات حكيمة. ومع ذلك، خلصت دراسة مالية بتكليف من محققين ألمان في عام 2022 إلى أن سلامة لم يكن بإمكانه أن يجمع ثروته كلها بالأموال التي كان يمتلكها بشكل شرعي قبل تولي منصبه".
ويبحث المحققون الأوروبيون أيضاً في ثروات العديد من أفراد الأسرة والمقربين الذين ربما ساعدوا رياض سلامة في مخططه للاحتيال على مصرف لبنان.

الاختلاس عبر شركة "فوري"

في قلب التحقيق السويسري كانت شركة غير معروفة تدعى Forry Associates تأسست عام 2001 ومسجلة في جزر فيرجن البريطانية، وهي مملوكة بالكامل لرجا سلامة، الأخ الأصغر لحاكم مصرف لبنان.
يزعم المحققون الأوروبيون أن هذه الشركة كانت الوسيلة الرئيسية التي اختلس من خلالها سلامة حوالي 330 مليون دولار من مصرف لبنان بين عامي 2002 و 2016، ووجه الكثير من هذه الأموال إلى عمليات الاستحواذ على العقارات الفاخرة في عواصم أوروبية، لبنان ونيويورك.

نجل سلامة في مرمى الاتهامات

وذكر التقرير: "تم استدراج نجل سلامة، وهو مواطن بريطاني، إلى التحقيق. ويزعم المدعون الألمان أنه قام بتحويل "أموال من البنك المركزي اللبناني" إلى عمليات الاستحواذ على العقارات، وبالتالي إخفاء تلك الأموال "داخل الدائرة الاقتصادية القانونية لألمانيا"، كما كتب قاض في ميونيخ في أمر مصادرة أصول عام 2022.
ولدى سؤاله عن التعليق، قال إنه لم يخضع أبداً لأي لائحة اتهام بموجب أي سلطة قضائية ، وإنه ليس لديه علم باستخدام أي أموال عامة في عمليات استحواذ في ألمانيا. كما أعطى التدقيق الجنائي للمحققين خيوطاً جديدة ، وكشفوا عن 111.3 مليون دولار أخرى من "العمولات غير المشروعة" التي دفعها مصرف لبنان بين 2015-2020 ، بعد انتهاء مخطط فوري. ويشتبه مصدر قريب من التحقيقات في أن فوري "ليس سوى غيض من فيض".