مؤيد للانقلاب في النيجر يتظاهر في نيامي (أف ب)
مؤيد للانقلاب في النيجر يتظاهر في نيامي (أف ب)
الإثنين 7 أغسطس 2023 / 10:51

انقلاب النيجر يفاقم فوضى الساحل لكن رد الجوار حاسم

24 - زياد الأشقر

عن المخاطر التي يمكن أن يتسبب بها الانقلاب الذي وقع في النيجر في 26 يوليو(تموز) الماضي، على دول منطقة الساحل في إفريقيا، كتب جايسون بوركي في صحيفة "غارديان" البريطانية يقول إن أي مسافر مقدام سيواجه صعوبة لعبور القارة الإفريقية من أوسع نقطة لها، من البحر الأحمر إلى قرب المحيط الأطلسي، من دون أن يمر ببلد لا تمزقه حرب أهلية أو يتعافى من إحداها، أو لم يتعرض لانقلاب عسكري منذ 2021، أو لم يتحول دولة فاشلة يحتلها مزيج من السياسيين الجشعين، أو ميليشيا ومرتزقة روس.

استقرار النيجر يشكل أمراً حاسماً بالنسبة إلى مستقبل منطقة الساحل

والطريق غير المستحسنة للمسافر ستأخذه من منطقة تيغراي في شمال إثيوبيا، التي كانت تشهد حرباً أهلية حتى العام الماضي، إلى السودان، حيث تحول صراع داخلي على السلطة إلى عنف عام، ومن هناك إلى إفريقيا الوسطى، التي ينظر إليها المحللون اليوم على أنها المثال الأفضل في القارة، لأسوأ ما يمكن أن يصيب أمة.

بعد هذا يأتي الخيار الأصعب. إن طريقاً شمالية تمر عبر تشاد، التي يحكمها عسكري سيطر على السلطة عام 2021، عندما قُتل والده في معركة عقب ثلاثة عقود من الحكم، بينما مالي تسودها سلسلة من التمردات الداخلية، إسلاميون متشددون ومزيد من المرتزقة الروس الذين استأجرهم ثاني حاكم عسكري يتولى السلطة في السنوات الأخيرة، ومسار آخر للرحلة يمكن أن يؤدي إلى الكاميرون، التي تعيش حرباً أهلية مزمنة، ثم بوركينا فاسو، التي عانت من انقلابيين عسكريين عام 2022.

كثير من الحظ

ويقول الكاتب في "غارديان" إنه أياً كان الطريق، فإن المسافر يحتاج إلى تأمين باهظ وكثير من الحظ، كي يعبر إلى دولة تشكل حجر الزاوية هي النيجر، التي باتت البلد الأخير الذي يقع فريسة ما يبدو أنه وباء عدم الاستقرار.

ولا يزال غير واضح سبب الاضطراب الأخير في منطقة الساحل.. كان ينظر إلى النيجر على أنها الدولة الأكثر استقراراً في المنطقة، وقبل أشهر فقط، وصفها وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن بأنها "نموذج للديمقراطية".. واستندت هذه الخلاصة، إلى نجاح رئيسها محمد بازوم، وهو شخصية وسطية مؤيدة للغرب وللتحديث، فاز بأكثر من 55 في المائة من الأصوات في انتخابات أجريت عام 2021، ليصير أول زعيم يتولى السلطة بشكل سلمي منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1960.

وتفترض التقارير أن بازوم كان يعتزم إعادة تنظيم الحرس الرئاسي، قوة النخبة من الجنود الذين يقودهم الجنرال عبد الرحمن تياني، الذي اعتقد أنه سيعفى من منصبه، فسارع إلى الانتقام بضربة استباقية، واضعاً بازوم قيد الإقامة الجبرية.

وما تلا ذلك، كان انقلاباً صريحاً حيث ظهر عسكريون على التلفزيون الرسمي للإعلان عن أنهم خلعوا الرئيس من السلطة وعلقوا الدستور، ومن ثم أعلن تياني نفسه زعيماً لـ النيجر في خطاب متلفز، شرح فيه أنه تحرك لحماية الأمة من أخطار أمنية تتهددها.

تدخل عسكري إفريقي

وبلغت الأزمة لحظة حاسمة. فقد أثار استيلاء تياني على السلطة، تهديداً بتدخل عسكري من أجل إعادة بازوم إلى السلطة، من قبل 15 دولة في غرب إفريقيا.. وأمهلت هذه الدول تياني حتى مساء الأحد (أمس) كي يتخلى عن السلطة.

ووصفت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا، السبت، هذه التهديدات بأنها "ذات صدقية".. لكن العسكريين في النيجر لم يظهروا أي إشارة على رغبتهم في الدخول في مساومة، وأكدوا أنهم سيقاومون أي غزو.

ويسود الذعر الشديد أنحاء القارة، ووصف الرئيس الكيني وليم روتو الوضع بأنه "انتكاسة خطيرة"، لكن هذا تقليل من خطورة الموقف. ذلك، أن استقرار النيجر يشكل أمراً حاسماً بالنسبة إلى مستقبل منطقة الساحل، التي بدورها تعتبر ركيزة مهمة للقارة.. وخلال عقد ونصف، تحولت المنطقة من الفقر المترافق مع استقرار نسبي، إلى بوتقة من الفوضى السياسية والمعاناة الإنسانية والاتجار الإجرامي بالبشر والعنف المتطرف.

وينتشر في كل مكان النزوح الواسع النطاق، والأزمات الاقتصادية الحادة، والضغط الديموغرافي الهائل والتدهور البيئي.. ومعظم المشاكل الأكثر خطورة في الساحل يفاقمها التغير المناخي.

ويقول الكاتب إن الأنظمة العسكرية التي وصلت إلى السلطة في دول الساحل أثبتت عجزها عن التعامل مع هذه التحديات، وتحت حكم بازوم كان العنف الجهادي في النيجر إلى تراجع.. أما في مالي المجاورة، فإنه في ظل قيادة الكولونيل آسيمي غويتا، زاد النشاط الجهادي بنسبة 25 في المائة منذ العام الماضي.

مرتزقة فاغنر

وحيثما انتشر مرتزقة فاغنر المرتبطين بالكرملين، فإن المدنيين هم من يدفع الثمن.. والأنظمة العسكرية تعتمد، لا محالة، على القوة وليس على التوافق، للتعامل مع التعقيدات والأوضاع المضطربة بين المجتمعات والعرقيات والطوائف في البلدان التي تحكمها.. والنتيجة، هي المزيد من عدم الاستقرار ليس أقل من ذلك.

لكن الدرس الأهم الذي يمكن أن يتعلمه المسافر في هذه الرحلة الوعرة، هي أنه على رغم الأحداث الأخيرة في الساحل، التي تستحق كل الاهتمام، لا تؤشر بالضرورة إلى أن عهداً جديداً من الظلام سيخيم على القارة الإفريقية.

ولا يزال الزخم في أنحاء القارة في أيدي الشباب، الذين أظهر استطلاع أجرته الأمم المتحدة، أنهم لا يزالون متمسكين بالأمل.. وحتى المخضرمين المنهكين بدوا وكأنهم يريدون رسم خط في الرمال، ربما لأن غرائزهم السياسية، بدلاً من مبادئهم، تدلهم إلى أين يمكن أن يحصلوا على الأفضلية، ومئات الملايين من الناس العاديين في النيجر والسودان ومالي وبوركينا فاسو وفي أنحاء القارة يتفقون في ذلك.