الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أرشيف)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أرشيف)
الخميس 6 يوليو 2023 / 10:23

هل بمقدور ماكرون تحقيق نظام دائم في فرنسا "المنقسمة" بعمق؟

24 - زياد الأشقر

يواجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التحدي الداخلي الأكبر له في ولايته الثانية، بعدما قتل شرطي مراهقاً من أصل جزائري عند توقف مروري الأسبوع الماضي، ما أدى إلى ليالٍ من أعمال الشغب في المدن.

الأولوية الفورية في الأيام المقبلة هي استعادة ما تصفه الحكومة بالنظام الدائم

تأمل زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان في أن تكسبها الاحتجاجات في المدن أصواتاً

وكان أعلن الثلاثاء عن تمويل، للمساعدة في إعادة بناء المباني التي أحرقت وللخدمات العامة. لكن التساؤلات بقيت عميقة حيال الانقسامات الحادة في المجتمع الفرنسي وداخل الطبقة السياسية.

واشتبك مراهقون تبلغ أعمار بعضهم 13 عاماً مع الشرطة في أنحاء البلاد، بينما أضرمت النيران بمئات المباني العامة، واحترق أكثر من خمسة آلاف سيارة، وتم اعتقال 3400 شخص، ودمرت عشرات المدارس، وهوجم 150 مكتب بريد، وأشعل أكثر من 11 ألف حريق، ونهب ألفا متجر.

وبلغت كلفة الأضرار ما يصل إلى مليار يورو. وجرح أكثر من 800 شرطي، واستيقظت المناطق الأكثر فقراً في البلاد لتجد أن مباني رئيسية –من المكتبات العامة إلى المراكز السكانية- قد تحولت إلى رماد.

 


وكتبت مراسلة صحيفة "غارديان" البريطانية في باريس أنجليك كريسافيس، أن الرئيس ماكرون يواجه عدداً من الصعوبات، أولاها مشكلة الصورة الوطنية. ففي ظل سياسات من انعدام الثقة الحاد، تراكمت الأزمات واحدة بعد أخرى- من احتجاجات السترات الصفر المناهضة للحكومة عامي 2018 و2019، إلى ملايين المحتجين الذي نزلوا إلى الشوارع هذا العام ضد قرار ماكرون برفع سن التقاعد إلى 64 عاماً، وقد تضررت الأجندة الدبلوماسية لماكرون، وتعين عليه العودة باكراً من قمة أوروبية في بروكسل وأرجأ زيارة دولة لـ ألمانيا، فقط بعد أشهر من اضطراره إلى إرجاء استقبال ملك بريطانيا تشارلز الثالث، وسط إضرابات واحتجاجات على نظام التقاعد.


ويبدو الآن، أن الانقسامات حول السياسة في فرنسا أكثر حدة من أي وقت مضى. ومنذ أن فقدت مجموعة الوسطيين المؤيدين لماكرون الغالبية في الجمعية الوطنية في الانتخابات التشريعية عام 2022، فإن قدرة الحكومة على تمرير تشريعات باتت محدودة في الوقت الذي تسعى إلى استمالة اليمين. وتأمل زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان التي تترأس التجمع الوطني، الكتلة البرلمانية المعارضة الأكبر، في أن تكسبها الاحتجاجات في المدن، أصواتاً، بينما حزبها يروج للشعور بـ"التوحش" وعدم الأمان في المدن والبلدات.

 


وعندما اجتمع ماكرون مع 250 رئيس بلدية ممن واجهت دوائرهم أعمال عنف، فإن مناشداتهم سلطت الضوء على الانقسامات السياسية العميقة.

وقال رؤساء بلديات من اليمين، إن هناك حاجة إلى مزيد من "السلطة"، وتعزيز رجال الشرطة ومزيد من الحزم. وانضم بعضهم إلى ماكرون في دعوته الأهل إلى ممارسة ضبط أفضل للمراهقين.

لكن هؤلاء الذين ينتمون إلى اليسار، فإنهم تحدثوا عن الإخفاق في التعامل مع التمييز و"الغيتوات" في المناطق الفقيرة، حيث يسود التمييز وعدم المساواة في التربية والإسكان، ما يعمق الفقر في هذه المناطق. وقالوا إن السنوات الأخيرة من برامج تجديد المدن -عندما تم إنفاق الملايين على الهدم وإعادة البناء لبعض الأحياء من الأبراج- أخفقت في معالجة المشاكل الاجتماعية الأعمق.

وقال مسؤول حكومي إن ماكرون يريد الآن أن "يصغي بعناية" إلى السياسيين على الأرض، وأن يحاول فهم الكثير من الأساب المعقدة للاضطرابات، قبل أن يخرج باقتراحات.


وتلفت "غارديان" إلى أن الأولوية الفورية في الأيام المقبلة هي استعادة ما تصفه الحكومة بـ"النظام الدائم"، وهناك أكثر من 45 ألف شرطي ينتشرون الآن ليلاً في المناطق التي لم تستعد الهدوء الكامل، وتقصّد ماكرون عدم إعلان حال الطوارئ على غرار ما حدث عام 2005، عندما توفي مراهقان بصعقة كهربائية عندما كانا يختبئان من الشرطة في ضاحية كليشي سو بوا قرب باريس، ما تسبب باندلاع اضطرابات استمرت أسابيع عدة.
إن السؤال هو ماذا يمكن ماكرون أن يقترح للمجمعات السكنية الفرنسية. عندما تولى الرئاسة في 2017 -وحتى قبل ذلك عندما كان وزيراً للاقتصاد- فإنه ركز على ريادة الأعمال في ضواحي المدن، قائلاً إنه سيحرر الاقتصاد ويضع حداً لعدم المساواة التي قال إنها "تسجن" الناس على قاعدة أصولهم الاجتماعية، لكن سكان الضواحي يقولون إن الفصل والتمييز قد باتا أسوأ في الأعوام الأخيرة.

ويقول عالم الاجتماع أولفييه غالاند إن "المشاكل عميقة جداً، وهي في حاجة إلى معالجة هيكلية لن تظهر آثارها إلا على المدى البعيد. أما في المدى القريب، فإن الأمل الوحيد هو عودة الهدوء".