أعمال شغب في فرنسا (أرشيف)
أعمال شغب في فرنسا (أرشيف)
الإثنين 3 يوليو 2023 / 16:09

فرنسا..انحسار العنف واليمينيون أبرز "الفائزين"

سادت حالة من الهدوء النسبي في فرنسا، بعد خمسة أيام من اشتباكات طالت عدداً من المدن والضواحي الفرنسية، عقب مقتل شاب برصاص الشرطة الفرنسية.

ماريان لوبان قد تتفوق على خصمها ماكرون في استطلاعات الرأي

ومنح الهدوء النسبي الذي أعقب خمس ليال من أعمال الشغب الصاخبة حكومة إيمانويل ماكرون فرصة لالتقاط الأنفاس في معركتها لاستعادة السيطرة على الوضع، بعد أشهر قليلة من احتجاجات واسعة النطاق على تعديلات لم تحظ بشعبية في نظام التقاعد وقبل عام من استضافة الألعاب الأولمبية.
واشتعلت بؤر للتوتر في مدن من بينها باريس وستراسبورغ في الشرق ومرسيليا ونيس في الجنوب، وأرسلت وزارة الداخلية ما يصل إلى 45 ألف شرطي إلى الشوارع كل ليلة لقمع الاضطرابات، التي اقتصر معظمها على الضواحي لكنها تطورت في بعض الأحيان إلى اشتباكات في مناطق سياحية مثل شارع الشانزليزيه في باريس.

استفادة اليمين

واستغل اليمين في فرنسا، حالة الفوضى التي أعقبت أعمال الشغب في المدن الفرنسية من أجل زيادة نقاطه لدى الجمهور على حساب الرئيس الفرنسي، الذي حاول اليمين تصويره وكأنه غير قادر على ضبط الأمور.
وربط اليمين الفرنسي في خطابه المركز الذي تبنته الزعيمة اليمينية مارين لوبان وإيريك زمور، حالة الفوضى بالجاليات الأكثر فقراً في الضواحي التي تنحدر غالباً من إفريقيا، في امتداد لخطاب شعبوي يستهدف المهاجرين، ويعزز ما تتبناه رموز اليمين الفرنسي بشأن "الإحلال" الذي تتعرض له البلاد بسبب تدفق المهاجرين. وقال تقرير لهيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية إنه "بينما يعاني الرئيس ماكرون بشكل واضح للسيطرة على الوضع، فإن أبرز خصومه السياسيين من اليمين المتطرف، ألا وهي مارين لوبان، التي تقدم رسالة متشددة أمنياً ومناهضة للهجرة، قد تتفوق في نهاية المطاف على خصمها في استطلاعات الرأي".
وأضاف "إذا جال المرء بنظره في أوروبا في يومنا هذا، شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، سيلاحظ صعود أحزاب يمينية متطرفة بصبغات مختلفة، فهناك أحزاب قومية متعطشة لأمجاد الماضي، وأخرى قومية شعبوية، وكذلك محافظة متشددة ذات جذور فاشية جديدة، وغيرها من الأحزاب اليمينية المتطرفة التي باتت تحظى بشعبية لا يستهان بها".
وتابع "التابوهات القديمة، التي تعود إلى الحرب المدمرة في أوروبا ضد النازيين وإيطاليا الفاشية في القرن العشرين، والمتمثلة في أن معظم الناخبين شعروا أنه لا ينبغي منح أصواتهم مرة أخرى لليمين المتطرف، وأن أحزاباً سياسية رئيسية رفضت التعاون مع التجمعات اليمينية المتطرفة، أصبحت في وقتنا الراهن تتلاشى شيئاً فشيئاً".

فرصة مثالية

ويرى الكاتب في صحيفة "اندبندنت" الوزير البريطاني السابق دينيس ماكشين، أن اليمين الفرنسي سيجد فرصة مناسبة بعد الأحداث الأخيرة وسياسات الرئيس الفرنسي ماكرون بشكل عام، في الوصول إلى الإليزيه، وصناعة "ترامب جديد".
وقال: "هذا جزء من أزمةٍ ماكرونية أعمق. فقد شهِدت رئاسته للبلاد اختفاء اليسار واليمين المعتدلَين، وها هو بدلاً من ذلك يواجه الجماعات اليسارية واليمينية في الجمعية الوطنية والسياسة ممن يرفضون التسوية والتسامح والحل البرلماني السلميّ للإصلاحات التي تحتاجها فرنسا". وأضاف "هذا وضعٌ مثاليٌّ لمارين لوبان التي يعتبرها الكثيرون في فرنسا الآن خليفة لا يمكن إيقافها لإيمانويل ماكرون الذي لا يستطيع الترشح للرئاسة لولاية ثالثة".
وتابع "العنف الذي أطلقته ديماغوجية وزير الداخلية دارمانان المعادية للمهاجرين، سواء بفعل ضباط الشرطة الذين يطلقون النار أولاً ويطرحون الأسئلة لاحقاً، أو بالاحتجاجات في الشوارع التي أضرمت النار في فرنسا، يُلحق أضراراً جسيمة بماكرون. وعلى رغم ذلك، لا يبدو أن هذا يقلقه كثيراً، حتى وهو يساعد في تمهيد الطريق لأول رئيسة دولة فاشيّة في أوروبا".
وقال: "كانت فرنسا في حاجة إلى إصلاحات وما زالت تحتاج إليها، لكن ماكرون يفتقر إلى القدرة على تحسُّس مخاوف ومباعث قلق الكثيرين في البلاد ممن استُبعِدوا من مشروعه".

اليمين في أوروبا

ويلقى اليمين الفرنسي، دعماً غير مباشر من حالة المد الشعبوي واليميني في أوروبا، حيث تدير اليوم دفة القيادة في إيطاليا، التي تعد ثالث أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، جورجيا ميلوني، رئيسة حزب له جذور فاشية جديدة. وفي فنلندا، بعد ثلاثة أشهر من المباحثات والجدل، انضم القوميون اليمينيون المتطرفون الفنلنديون مؤخراً إلى الحكومة الائتلافية، بحسب ما تقول كاتيا آدلر محررة الشؤون الأوروبية في BBC.
كما يدعم الحزب الديمقراطي السويدي المناهض للهجرة والتعددية الثقافية، وهو ثاني أكبر حزب في البرلمان السويدي، الحكومة الائتلافية اليمينية هناك، وفي اليونان فازت يوم الأحد الماضي، ثلاثة أحزاب يمينية متشددة بعدد كافٍ من المقاعد لدخول البرلمان، بينما في إسبانيا، فاق حزب فوكس القومي المثير للجدل، وهو أول حزب يميني متطرف ناجح في إسبانيا منذ وفاة الديكتاتور الفاشي فرانسيسكو فرانكو في عام 1975، كل التوقعات في الانتخابات الإقليمية الأخيرة.
 وبحسب آدلر، فإن "هناك حكومات متطرفة ذات ميول استبدادية في بولندا والمجر، والقائمة تطول وتطول.يشمل ذلك ألمانيا، التي لا تزال حساسة للغاية بشأن ماضيها النازي.وتشير استطلاعات الرأي هناك الآن إلى أن حزب البديل اليميني المتطرف قد يكون متفوقا على حزب المستشار شولتز، الاشتراكي الديموقراطي (SPD) أو في أسوأ الأحوال متوازيا معه. وقد فاز مرشح حزب البديل من أجل ألمانيا بمنصب قيادي محلي لأول مرة الأسبوع الماضي. الأمر الذي وصفه الحزب الاشتراكي الديمقراطي بأنه قنبلة سياسية مدمرة".
والسؤال المطروح الآن، بحسب آدلر، ما الذي حدث؟ هل بات الملايين من الناخبين الأوروبيين يميلون حقاً إلى اليمين المتطرف؟ أم أن هذا ليس أكثر من تصويت احتجاجي؟ أم هو علامة على الاستقطاب بين الناخبين الليبراليين في المناطق الحضرية والبقية المحافظة؟ وماذا نعني عندما نصف حزبا ما بأنه "يميني متطرف"؟