حاكم مصرف لبنان رياض سلامة (رويترز)
حاكم مصرف لبنان رياض سلامة (رويترز)
السبت 27 مايو 2023 / 00:31

رياض سلامة.. من مسؤول مالي خارق إلى مطلوب دولي

يقضي حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي كان يُحتفى به في السابق باعتباره رجل مال خارق، أسابيعه الأخيرة في منصبه مطلوباً بناء على مذكرتي توقيف فرنسية وألمانية في تحقيقات في فساده.

وتمثل المذكرتان، آخر تطور في تحقيقات عابرة للحدود في استخدام سلامة منصبه لاختلاس ثروة من المال العام اللبناني، بعد أن تولى منصب حاكم المصرف منذ 3 عقود وتنتهي فترته الحالية في يوليو(تموز) المقبل، وينفي ارتكاب أي مخالفة.

وأثرت القضايا على سمعته التي اهتزت بالفعل منذ انهيار نظام لبنان المالي في 2019، الكارثة التي يحمله كثيرون مسؤوليتها، وسلط الانهيار الضوء على علاقات سلامة، مع ساسة في الحكم بدأ دعمهم له يتضاءل في الأشهر الماضية مع مضي التحقيقات الأوروبية قدماً.

وأصدرت الشرطة الدولية، إنتربول، نشرة حمراء ضد سلامة مع صورته على موقعها على الإنترنت. وأعلنت فرنسا أنه مطلوب، ويقول بعض الوزراء والساسة اللبنانيين الآن إن عليه أن يستقيل، رغم أن آخرين لزموا الصمت ومنهم رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، ورئيس مجلس النواب نبيه بري.

ولم يُظهر سلامة أي إشارة على اعتزامه ترك منصبه مبكراً، وينفي منذ فترة طويلة الاتهامات، ويؤكد أنها محاولة لتقديمه كبش فداء بعد الانهيار المالي اللبناني. وقال لتلفزيون الحدث الأسبوع الماضي: "أنا ضميري مرتاح وأعرف أن هذه التهم غير صحيحة"، مضيفاً أنه سيترك منصبه إذا أصدرت محكمة حكماً ضده.

وطيلة سنوات اعتبر الكثير من اللبنانيين سلامة العمود الفقري للنظام المالي الذي وفر لهم مستوى معيشياً لم يكن متماشياً مع اقتصاد البلاد الضعيف. وتولى سلامة منصبه في 1993 بعد أن عمل في بنك ميريل لينش.

ولكن النظام الاقتصادي اللبناني انهار في 2019 تحت وطأة الفساد، والتبذير  النخب الحاكمة، وحمل كثير من اللبنانيين سلامة مسؤولية انهيار العملة في البلاد، وشلل النظام المصرفي.

تراجع الحظوظ

ومثل ذلك تراجعاً حاداً لحظوظ رجل كان يُحتفى به في السابق لنجاحه في قيادة لبنان خلال الأزمة المالية العالمية، وكان متحدثاً بارزاً في المؤتمرات المصرفية الدولية، ونادراً ما يظهر الآن في العلن.

وقال مصدر مقرب منه إنه يقضي معظم وقته داخل البنك المركزي ويستقبل عدداً قليلاً من الضيوف ولا يغادر المقر إلا عند الضرورة.

وأضاف المصدر "لا يمكنه الظهور في الأماكن العامة أو أداء زيارات أو حضور المؤتمرات أو الإقامة في أي من منازله الكثيرة"، ولم يرد سلامة على أسئلة عن هذا الموضوع.

وتركز التحقيقات على عمولات فرضها البنك المركزي على البنوك مقابل شراء السندات الحكومية، ذهبت عائداتها لشركة فوري أسوشيتس لشقيقه رجا سلامة، وينفي الشقيقان تحويل أو غسل أي أموال عامة، وارتكاب أي مخالفة.

وقدمت التحقيقات لمحة عن حياة سلامة، ومنها علاقته مع الأوكرانية آنا كوساكوفا، التي أنجب منها ابنة. وقال المدعون الفرنسيون في ديسمبر(كانون الأول) العام الماضي، إنهم وضعوا كوساكوفا قيد التحقيق للاشتباه في تورطها في غسل أموال في إطار هذه القضية. ولم ترد كوساكوفا ومحاميها في فرنسا على طلبات رويترز للتعليق على التحقيق الصحافي أو على طلبات سابقة.

واستدعت السلطة القضائية الفرنسية في التحقيق شقيقه رجا سلامة، وماريان حويك، وهي واحدة من مساعدي حاكم مصرف لبنان المركزي.

وفي تحقيق آخر، استجوب قاض لبناني الممثلة اللبنانية ستيفاني صليبا في ديسمبر(كانون الأول) العام الماضي بشبهة شراء سلامة عقاراً فاخراً لها بمكاسب غير شرعية، وذلك ضمن قائمة اتهامات موجهة لسلامة الذي ينفيها.

ولم يرد محامي حويك على طلب للتعليق. وقالت صليبا التي لم ترد هي الأخرى في مقطع مصور نشرته على التواصل الاجتماعي بعد استجوابها إنها "تعرضت للظلم دون أن تذكر أي اتهامات ضدها".

وأشارت النشرة الحمراء لإنتربول عن سلامة إلى تهم غسل الأموال، والاحتيال و"تأليف عصابة أشرار" لارتكاب جرائم يعاقب عليها بالسجن 10 أعوام.

اطعن 

وتعهد سلامة بالطعن في التوقيف الفرنسي الذي صدر بعد غيابع عن جلسة محكمة في باريس، كان من المتوقع أن يوجه فيها المدعون اتهامات أولية بالاحتيال وغسل الأموال. وقال سلامة إن المذكرة خالفت القانون.

وقال قاض لبناني إن ألمانيا أصدرت أيضاً مذكرة لتوقيف سلامة بتهم من بينها التزوير وغسل الأموال والاختلاس، وقال مكتب المدعي العام في ميونيخ إنه يحقق في القضية، لكنه أضاف أنه لا يعلق من حيث المبدأ على أوامر التوقيف، وقال سلامة إنه لم يتلق أي إخطار من ألمانيا.

واتهم سلامة وشقيقه رجا ومساعدته حويك في لبنان بغسل الأموال، والاختلاس، والإثراء غير الشرعي في فبراير(شباط) الماضي، ولكن المنتقدين شككوا منذ فترة طويلة في جدية متابعة القضية في لبنان، حيث يمكن للسياسيين التأثير على القضاء.

ورغم أن استقلال القضاء منصوص عليه في الدستور، اشتكى كبير قضاة لبنان العام الماضي من التدخل فيه.

وقال وزير العدل اللبناني ونائب رئيس الوزراء: "سلامة يجب أن يستقيل الآن"، لكن وزير البيئة ناصر ياسين قال: "الآراء في مجلس الوزراء انقسمت في اجتماع يوم الإثنين الماضي"، مضيفاً "ما هو سريالي هو أنه رغم كل شيء، لا يزال غير مستعد للتنحي".