العملة الروسية "روبل" (أرشيف)
العملة الروسية "روبل" (أرشيف)
الثلاثاء 18 أبريل 2023 / 13:19

قوة الاقتصاد الروسي تتحدى استراتيجية العقوبات الغربية

في خطاب السياسة الخارجية للدول الغربية، لم تكن هناك عبارة مضللة جرى استخدامها على نطاق واسع مثل عبارة مقارنة اقتصاد روسيا باقتصاد إيطاليا للتدليل على ضعفه مقارنة بالقوة الجماعية للدول الغربية.

الغرب أخطأ في التقليل من حجم وقوة الاقتصادات المنافسة وبخاصة الاقتصاد الروسي

وهذه العبارة صاغها لأول مرة السيناتور الأمريكي ليندساي غراهام عام 2014، ثم انتشرت على ألسنة وأقلام صناع السياسة والمعلقين الغربيين. وعلى مدى عقد كامل تقريباً رسمت هذه العبارة منهج التعامل الغربي مع روسيا، وقد حان الوقت للتخلي عنها بحسب الكاتب الأمريكي كارلوس روا  رئيس التحرير التنفيذي لمجلة ناشونال إنترست الأمريكية.

وفي تحليل نشرته مجلة "ناشونال إنترست"، طرح  روا عدة أسئلة حول النظرة الغربية لروسيا واقتصادها فقال: "إذا كان الاقتصاد الروسي صغيراً ومتواضعاً فكيف استطاع استيعاب العقوبات المفروضة عليه حتى الآن؟ ولماذ لم يتحقق إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن الاقتصاد الروسي سينكمش إلى النصف؟ ولماذا لم تتحقق تصريحات وزير المالية الفرنسي برونو لومير عن أن هدف الغرب هو إحداث انهيار الاقتصاد الروسي وتركيع موسكو؟ فكيف لدولة اقتصادها في حجم اقتصاد إيطاليا تنجح في تحقيق كل هذا النفوذ العالمي للدرجة التي جعلت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين تقول مؤخراً إن العقوبات الغربية على روسيا تهدد سيطرة الدولار الأمريكي على الاقتصاد العالمي؟".

وتبدو مقارنة السيناتور غراهام للاقتصاد الروسي على الورق دقيقة، فروسيا وإيطاليا متقاربتان من حيث إجمالي الناتج المحلي الاسمي، وهو الوسيلة المفضلة لقياس الحجم الاقتصادي للدولة وقوتها منذ الحرب العالمية الثانية. وبحسب بيانات البنك الدولي، وصل إجمالي الناتج المحلي لروسيا عام 2013 إلى 2.29 تريليون دولار، في حين كان إجمالي الناتج المحلي لإيطاليا حوالي 2.14 تريليون دولار، وفي عام 2021 كان إجمالي الناتج المحلي لروسيا حوالي 1.79 تريليون دولار ولإيطاليا حوالي 2.11 تريليون دولار. 

والخطأ في المقارنة هنا يعود إلى الاعتماد على إجمالي الناتج المحلي الاسمي، دون الوضع في الاعتبار سعر صرف عملة كل دولة وتعادل القوة الشرائية التي تستخدم في حساب مستوى المعيشة وإنتاجية الاقتصاد، ويشير الاقتصادي الفرنسي المجدد جاك سابير إلى عدم كفاية هذا المقياس الكمي للاقتصاد، ويقول إن إجمالي الناتج المحلي لروسيا عند قياسه وفقاً لتعادل القوة الشرائية،  كان 3.74 تريليون دولار عام 2013 و2.74 تريليون دولار عام 2021، وهو تقدير مغاير تماماً للتقديرات المتداولة.

ويفسر سابير قوة الاقتصاد الروسي في مواجهة العقوبات بالقول: إنه "على مدى الـ50 عاماً الماضية، سيطرت قطاعات الخدمات على الاقتصادات الغربية، والتي تصبح أقل أهمية في أوقات الصراع رغم أنه يتم احتسابها ضمن الناتج المحلي للبلاد، وفي أوقات الصراع، يصبح إنتاج السلع الفعلية هو الأهم. وبهذا المقياس فإن الاقتصاد الروسي ليس فقط أقوى من الاقتصاد الألماني بل إنه يزيد على ضعف الاقتصاد الفرنسي".

وعلاوة على ذلك، فإن وضع روسيا المسيطر في سوق الطاقة والمواد الخام العالمية، باعتبارها دولة منتجة رئيسية للنفط والغاز لطبيعي  والكوبالت  والذهب والنيكل والفوسفات وخام الحديد والقمح والشعير، يمنحها نفوذاً مهماً على الاقتصادات والأسواق، ويجعلها أقل تضرراً من العقوبات وأصعب في إخضاعها للضغوط الغربية. وهذه الحقيقة  لم تفت على الكثير من دول الجنوب التي ترددت في دعم أوكرانيا في كفاحها ضد العدوان الروسي. 

وإذا كان السيناتور غراهام ارتكب خطأ كبيراً بمقارنته الاقتصادية بين روسيا وإيطاليا، فقد يمكن التسامح معه لأنه سياسي. لكن لا يمكن التسامح مع عدد من خبراء الاقتصاد والسياسة الخارجية الذين كرروا هذا الخطأ على مدى سنوات، بحسب كارلوس روا.

والحقيقة أن استمرار جاذبية أسطورة اقتصاد روسيا الذي يساوي اقتصاد إيطاليا، بين هؤلا المحترفين قد لا يكون مفاجأة في ضوء جاذبية قطاعات الخدمات في الغرب. فالنمو الكبير لهذه القطاعات كثيفة الرأسمال إلى جانب قيمتها الاسمية وإنتاجيتها، جعل واشنطن والعديد من العواصم الغربية الأخرى لا تتبنى الاقتصاد الخدمي فقط، وإنما تفضله من الناحية السياسية والثقافية والأيديولوجية. ويفخر الأمريكيون بشركات التكنولوجيا العملاقة في بلادهم باعتبارها قاطرة للنمو والابتكار والفخر الوطني.

وهذا الحب لقطاعات الخدمات في الغرب أدى إلى النظر للأنشطة الاقتصادية كثيفة العمالة في الماضي مثل الطاقة والزراعة واستخراج الموارد الطبيعية والتصنيع باعتباره أنشطة عفا عليها الزمن. لكن هذه النظرة هي التي جعلت الدول الغربية غير مستعدة  لمواجهة عالم  أصبحت فيه السلع الحقيقية مهمة مرة أخرى. وقد أظهرت حرب أوكرانيا أن الولايات المتحدة لا تمتلك القدرات التصنيعية اللازمة لتلبية احتياجاتها من العديد من السلع الحقيقية.

وفي أوروبا، قالت بريطانيا إنها تحتاج إلى 10 سنوات لاستعاضة مخزون الأسلحة التي منحتها لأوكرانيا وإعادة تكوين مخزون سلاح مقبول. وكذلك يواجه الاتحاد الأوروبي مخاطر كبيرة في قطاع التصنيع بعد قطع إمدادات الطاقة القادمة إليه من روسيا.

وأخيراً يقول روا: إنه "حان الوقت لكي يعترف الغرب بأنه أخطأ في التقليل من حجم وقوة الاقتصادات المنافسة وبخاصة الاقتصاد الروسي. وسوف يتعين على صناع السياسة في الغرب أن يعيدوا تقييم  نهجهم الحالي تجاه فن الحكم الاقتصادي وإدراك أن العقوبات ليست مقاساً واحداً صالحاً لكل الدول وفي كل الحالات، خاصة عندما تستهدف دولة تمتلك قوة اقتصادية كبيرة مثل روسيا التي فشلت معها العقوبات بدرجة كبيرة".