السبت 1 يونيو 2019 / 14:40

محاكمة الدواعش الأجانب.. إلى أين؟

24 - أحمد إسكندر

أشار المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إلى أن فكرة إنشاء "محكمة دولية لمحاكمة المقاتلين من تنظيم داعش الإرهابي" تكتسب زخماً في أوروبا، وتروج السويد عبر وزير خارجيتها لمفهوم "المحكمة الدولية" في العواصم الأوروبية، بالتزامن مع اجتماع للمسؤولين الأوروبيين لمناقشة المبادرة الإثنين المقبل.

اكتسب إنشاء محكمة دولية لمقاتلي تنظيم داعش الأجانب زخماً في العواصم الأوروبية أخيراً والهدف يكمن في ترجمة هذا الطموح إلى سياسة جديرة بالثقة والتنفيذ

ويعتزم وزير الخارجية الهولندي تقديم الفكرة إلى الأمم المتحدة مع تنامي الرغبة داخل الحكومات الأوروبية في إيجاد طريقة للتعامل مع المئات من أنصار داعش الأوروبيين وأفراد أسرهم الذين احتجزتهم القوات الديمقراطية السورية المعروفة بـ"قسد" في سوريا.

فكرة جذابة

تعد المحكمة الدولية فكرة جذابة من نواح كثيرة، ولكنها لا تقدم حلاً سهلاً أو كاملاً للمعضلة التي تواجهها أوروبا.

على أرض الميدان تحتفظ قوات سوريا الديمقراطية المعروفة بـ"قسد" بحوالي 800 مقاتل أوروبي من داعش في "السجون المؤقتة"، إضافة إلى عدد أكبر من النساء والأطفال "عوائل المقاتلين" ذوي الصلة في مخيمات اللاجئين شمال شرق سوريا.

تحجم الحكومات الأوروبية عن إعادة هؤلاء الأشخاص إلى ديارهم للأسباب عدة منها عدم إمكانية مقاضاتهم محلياً والتهديد الأمني الذي يُعتقد أنهم يشكلونه وتبنيهم لإيدولوجيات فكرية متطرفة، بحسب ما ذكر المجلس الأوروبي على موقعه الإلكتروني.

لا يمثل المقاتلون الأوروبيون سوى جزء بسيط من آلاف المقاتلين وأفراد أسرهم الذين تعتقلهم "قسد" التي أشارت مراراً وتكراراً إلى افتقارها القدرة على مقاضاة هؤلاء المقاتلين السجناء أو حتى الاستمرار في احتجازهم، ودعت الإدارة الكردية في المنطقة إلى محكمة دولية تتبنى محاكمتهم في حين دعا بعض المدافعين عن حقوق الإنسان إلى إنشاء محكمة دولية لمحاكمة مقاتلي داعش على ما أرتكبوه من جرائم.

المتضرر الأكبر

لا مجال للشك بمسؤولية مقاتلي داعش عن فظائع وجرائم أرتكبت بحق المدنيين على نطاق واسع وثقتها المحطات العالمية بالصوت والصورة أبرزها ما عانته الأقلية اليزيدية في العراق على نطاق واسع من قتل وتنكيل وجرائم تصل إلى حد الإبادة الجماعية، وقامت مجموعات من المقاتلين في تنظيم داعش الإرهابي بشكل روتيني بتعذيب واستعباد وقتل أولئك الخاضعين لسيطرتها.

إنشاء المحكمة الدولية لمحاكمة مقاتلي داعش يصطدم بعدد من التعقيدات أهمها "نطاق المبادرة" وهل يشمل الجرائم التي ارتكبها داعش فقط أو جميع الجهاديين على حد سواء، أو جميع جرائم الحرب المرتكبة في سوريا؟ وهنا يبدو ترك فظائع النظام السوري خارج الصورة أمراً شاذًاً "نظراً لحجمها" لكن هذا سيكون بالتأكيد شرطًا أساسياً لبدء المحاكمة وهو ما ستعارضه روسيا والولايات المتحدة على حد سواء.

الموقع الجغرافي

ويشكل الموقع الجغرافي مبرراً لإنشاء هيئة جديدة تتواجد في المنطقة بالقرب من ضحايا تنظيم داعش المجموعة والشهود المحتملين إلا أنه يبدو مستحيلاً إنشاء محكمة دولية في جزء من سوريا تسيطر عليه جماعة غير حكومية، دون موافقة الحكومة السورية.

وتنظر الحكومات الأوروبية الآن في خيار إقامة المحكمة في العراق على شكل محكمة دولية "مخصصة" بالكامل، مثل تلك التي أنشئت ليوغوسلافيا السابقة ورواندا، أو هيئة محلية دولية مختلطة كالمحكمة الخاصة بسيراليون.

المشكلة أوسع

على ما سبق ذكره لا يمكن لمحكمة دولية أن تحاكم سوى أعضاء داعش على الجرائم الدولية المتمثلة بالإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.

وهذه الجرائم هي الأخطر التي ارتكبتها قوات تنظيم داعش الإرهابي، لكن من غير الواضح مدى سهولة إثبات مسؤوليتها أفرادها عن مثل هذه الجرائم في المحكمة الدولية.

ولاحظ المسؤولون الأوروبيون أنه إذا كان من المتوقع تصديق شهادات أفراد المجموعة الأسرى، فصفوف تنظيم داعش كانت تتألف إلى حد كبير من سائقي سيارات الإسعاف مثالاً، لذلك صعوبة إثبات تورطهم (الدواعش) في أعمال العنف هي التي تمنع معظم الدول الأوروبية من مقاضاة المقاتلين الأجانب في الداخل إن إجراء المحاكمات في المنطقة (العراق او سوريا) يجعل من الأسهل بناء القضايا وجمع الأدلة والاستماع لشهادة الشهود ضد مرتكبي الجرائم من مقاتلي تنظيم داعش.

تحديات إضافية

يمكن لمحكمة عراقية دولية مختلطة أن تحاكم الدواعش على بعض الجرائم بموجب القانون العراقي، أبسطها العضوية والانتماء إلى تنظيم إرهابي لكن هذا سيخلق تحديات إضافية.

محاكمة مقاتلي تنظيم داعش في العراق سيسمح للمدعين العامين بتوجيه اتهامات لعضوية داعش بموجب القانون العراقي ضد المدعى عليهم فقط الذين كانوا ناشطين في الأراضي العراقية وكما يعلم الجميع تنظيم داعش امتد على الأراضي السورية والعراقية وهدد دول مجاورة متجاوزاً إقليمه إلى العالمية، كما تنتهك هذه المحكمة دستور العراق الموضوع في 2005 وينص صراحةً على أنه "لا يجوز إنشاء محاكم خاصة أو استثنائية".

وستواجه أوروبا مشكلة في عقوبة الإعدام، فالقانون العراقي يسمح بذلك لكن الدعم الأوروبي للمحكمة التي يمكن أن تطبق عقوبة الإعدام أو التورط معها أمر غير وارد على الإطلاق.

مهمة مكلفة

إن معالجة كل ما ذكر من مضاعفات وإنشاء محكمة سيكون بالكاد قائماً ولن تبدأ "المحكمة الدولية" النظر في القضايا لعدة سنوات حتى بعد اكتمالها.

كما تشكل المحكمة مهمة مكلفة ومن المحتمل أن تقتصر على محاكمة أقلية من المقاتلين الأجانب الأوروبيين، فيما تعارض الولايات المتحدة هذه الخطوة، التي من شأنها عرقلة الطريقة الأكثر مباشرة لإنشاء المحكمة من خلال قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة علاوة على ذلك، يجب أن يكون مؤيدو المحكمة مستعدين لإعادة أي من مواطنيهم الذين ستتم تبرئتهم.

وسياسياً يبقى الحماس الأوروبي الجديد للمحكمة الدولية أكثر الطموحات السياسة المتطورة وذات المصداقية، وربما يحمل اجتماع الإثنين عملية تحويل هذا الطموح إلى مشروع محدد يمكنه الاختيار بين الخيارات المختلفة وتوليد الدعم للمضي قدماً.

ومن شأن المحكمة أن توفر وسيلة قوية لضمان مساءلة المسؤولين عن جرائم تنظيم داعش، لكنه لن يولد حلاً سحرياً للمشاكل التي تطرحها معضلة المقاتلين الأجانب في تنظيم داعش، ولهذا الأمر لا ينبغي لأوروبا أن تؤجل مهمة استنباط أو إيجاد طرق أخرى للتعامل مع المحتجزين بينما تتقدم المناقشات حول المحكمة الدولية تدريجياً.