الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أرشيف)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أرشيف)
السبت 18 مايو 2024 / 21:20

حملة الأخبار الجيدة التي أطلقها ماكرون.. تخرج عن مسارها

قرّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الخميس الماضي، فرض حالة الطوارئ في كاليدونيا الجديدة، الإقليم الفرنسي بما وراء البحار، في المحيط الهادئ الذي يشهد عنفاً خلف عدداً من القتلى.

وجاء ذلك بعد ساعات فقط من واقعة أخرى، اضطرت المئات من عناصر الشرطة في منطقة نورماندي بفرنسا إلى البحث عن المهاجمين المسلحين الذين نصبوا كمينا لحافلة شرطة سجون، ما أسفر عن مقتل حارسين، وإصابة ثلاثة آخرين بجروح خطيرة وتهريب  السجين الذي كانوا يرافقونه.
في تقرير في صحيفة "تايمز" البريطانية يشير تشارلز بريمنر إلى أن الهروب العنيف من السجن في نورماندي، والشغب في كاليدونيا الجديدة، بالإضافة إلى الحملة الفاشلة على عصابات المخدرات العنيفة، لم تساعد الرئيس على تحسين صورته الناعمة ضد الجريمة.

وكان ماكرون يريد أن يكون هذا الأسبوع "لحظة احتفال" بكل ما يسير على ما يرام في فرنسا.
فقد ارتفعت الاستثمارات الأجنبية، والاقتصاد يزدهر، وولدت نوتردام من جديد بعد خمسة أعوام من الحريق الهائل الذي أتى عليها،  في ما تمضي الاستعدادات في الموعد المحدد لدورة الألعاب الأولمبية الصيفية في باريس.

إنقاذ الأغلبية الرئاسية

وفق التقرير، كان ماكرون يسعى لإنقاذ الحملة المتعثرة لتحالف النهضة قبل الانتخابات البرلمانية الأوروبية في الشهر المقبل، والتي من المتوقع على نطاق واسع أن يخسر فيها أمام حزب التجمع الوطني الشعبوي بزعامة مارين لوبان.
لكن بحلول يوم الأربعاء، عاد ماكرون  إلى موقفه الدفاعي المألوف، وألغى الرحلات وترأس محادثات الأزمة.
مرة أخرى، سعى ماكرون جاهدا إلى مواجهة صورة العاجز بعد أحداث عنيفة من ذلك النوع الذي تخللت رئاسته، من ثورة "السترات الصفراء" في 2018 إلى أعمال الشغب في المناطق الحضرية في يوليو (تموز) الماضي.


أزمتان

حسب تقرير "تايمز" كان الحافز هذه المرة ذو شقين، أزمتان مزدوجتان تفصل بينهما مسافة 10 آلاف ميل. نصبت مجموعة من القتلة الذين يحملون بنادق كلاشنيكوف كمينًا لسيارة سجن في نورماندي مع اندلاع الشغب في إقليم كاليدونيا الجديدة الفرنسي في المحيط الهادئ.

هُرب محمد أمرة، الملقب بالذبابة، وهو مجرم متوسط المستوى مرتبط بتجارة المخدرات، من الحافلة، ولا يزال هارباً.
هزة أخرى أنهت الأسبوع عندما أطلقت الشرطة النار، مرة أخرى في روان، يوم الجمعة على رجل هاجمها بينما كان يحاول إضرام النار في معبد يهودي، وحسب التقارير، فهو جزائري الجنسية.

وفي يوم الكمين في روان، قال تحقيق لمجلس الشيوخ إن فرنسا "غرقت" في تجارة المخدرات.
وذكر التقرير المشترك بين الأحزاب أن البلاد تخسر حربها ضد عصابات المخدرات، التي كانت تكتسب السلطة مثل عصابات  المكسيك وكولومبيا.
وقال التقرير: "فرنسا عند نقطة تحول، يجب أن نتحرك الآن لاحتواء العدوى".
وكشف التقرير  فشل "التنظيف"، الحملة التي أطلقها ماكرون وسط ضجة كبيرة منذ شهرين.

وعود

خلال زيارته لمرسيليا، عاصمة العصابات، وعد ماكرون بإنهاء "هذه الآفة الرهيبة"، لكن جرائم القتل التي بلغ عددها 47 العام الماضي في تلك المدينة وحدها، استمرت.
وفي كاليدونيا الجديدة، الخاصعة افرنسا منذ  1853، قُتل ثلاثة مدنيين ورجلي درك في اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن.
اندلع أسوأ عنف هناك منذ 30 عاماً رداً على إصلاح تظام التصويت الذي وصفه أنصار استقلال الكاناك الأصليين بحيلة من باريس لإطالة أمد الحكم الاستعماري.
وأسفرت ثلاثة استفتاءات، سابقة، عن أغلبية ضد الانفصال عن فرنسا.
لقد غذت أزمات هذا الأسبوع الشعور بغياب الأمان الذي يلون الحياة الفرنسية بعد الإرهاب، وحرب العصابات، وسلسلة جرائم القتل العشوائية التي غالبا ما تنطوي على سكاكين وضحايا من الشباب.
وقال جيروم فوركيه، عالم السياسة المؤثر إن "فرنسا تعيش على خلفية صوت العنف".
ماكرون وحكومته، بقيادة غابرييل أتال، رئيس وزرائه، يواجهون صعوبة وبرودة.



مخاوف

أطلق الرئيس ناقوس الإنذار مما يسميه "نزع الحضارة"، وهو الانهيار الاجتماعي الذي يتجلى في "النزعة الانفصالية" - وهو تعبيره الملطف عن الأحياء الفقيرة للمسلمين في الضواحي، وفق تقرير تايمز.
ويتحدث أتال، وجيرالد دارمانين، وزير داخليته، مثل رجال الشرطة الأقوياء.
لكن ماكرون يدعو أيضاً إلى التعاطف. وينفي الوزراء وجود موجة واسعة من الجرائم، ويقولون إن لا صلة بين الجريمة والهجرة رغم الأدلة على العكس.
وأظهر استطلاع للرأي لمنظمة أودوكسا لصحيفة لوفيغارو يوم الجمعة أن 72%  من سكان البلاد لا يثقون في قدرة ماكرون على ضمان السلامة العامة.
ومن زاويتين متقابلتين، يستغل اليمين واليسار فشله في ضمان السلام الذي وعد به في انتخابات 2017 و2022.
وتكتسب لوبان، التي تأمل في خلافة ماكرون، وجوردان بارديلا، رئيس حزب التجمع الوطني وزعيم حملته في البرلمان الأوروبي، تأييداً مع كل حادثة عنف.

وجددا هذا الأسبوع تعهداتهما بإغلاق الحدود وطرد المجرمين الأجانب وبناء السجون وتجنيد ضباط الشرطة. أما  الجمهوريين المحافظين، فألقى برونو ريتيللو، زعيمهم في مجلس الشيوخ، باللوم على "ضعف" ماكرون في تدمير السلطة العامة.


نرجسية

وقال لصحيفة لوفيغارو، إن "مواطنينا يشعرون بالفزع من انهيار الدولة التي لا تحميهم في أي مكان، في كاليدونيا الجديدة، هناك تمرد حقيقي، والآن لدينا صور فظيعة لمقتل اثنين من ضباط السجن".
انتقد ريتيللو خلفية ماكرون ذات الميول اليسارية وإدراجه للاشتراكيين السابقين في إدارته، لكن اليسار يصفه بالديكتاتور المحتمل، والنرجسي الذي لا يلتفت إلى أحد، ويشعل الثورة بإصلاحات قاسية، مثل تخفيضات الرعاية الاجتماعية، ورفع سن التقاعد في العام الماضي إلى 64 عاماً.
وفي كاليدونيا الجديدة، يحاول ماكرون الحفاظ على الحكم الاستعماري، وفقا لحزب فرنسا المتطرف الذي يهيمن على المعارضة اليسارية.
وقال كاتب عمود مرموق في صحيفة "ليبراسيون" اليسارية، إن "نرجسية" ماكرون تقود فرنسا إلى الانهيار الديمقراطي.
ويشعر مساعدو ماكرون بالإحباط بسبب الأحداث التي تخرج رئاسته عن مسارها، رغم أنهم يرون أنها قطعت خطوات في إصلاح الاقتصاد، وتعزيز إنفاذ القانون وكذلك محاولة شفاء الجروح القديمة في مناطق ما وراء البحار.
ورغم ضعف شعبيته،  حصل ماكرون على موافقة ثابتة بلغت حوالي 30% خلال معظم رئاسته، ولا يواجه أي تهديد انتخابي، رغم  خسارة حكومته العام الماضي لأغلبيتها في البرلمان.
وأمام ماكرون ثلاثة أعوام لصياغة الوحدة الوطنية التي أفلتت منه، قبل أن يغادر قصر الإليزيه، حسب الصحيفة.