من الحفل الختامي لتحدي القراءة العربي عام 2022
من الحفل الختامي لتحدي القراءة العربي عام 2022
الثلاثاء 7 مايو 2024 / 11:21

الثقافة.. والأمن القومي العربي

إننا كمجتمع مسلم نحمل على عاتقنا مسؤولية النواة الأولى للنبوَّة، تلك النواة التي تمثلت في كلمة "اقرأ" التي غيرت مجرى التاريخ الإسلامي، ولأننا لسنا فقط أمة "اقرأ" بل و"القلم" و"الراسخون في العلم".

أدركت الإمارات أن النهضة الحقيقية في حياة الأمم لا تبدأ إلا بثورة معرفية وثقافية

وإن ازدهار الثقافة والأدب والفكر والنقد هو سبب تقدُّم الأمم، بل هو سر التميز الإنساني، وإثراء التاريخ، وتعميق الفعل الحضاري، وتجديد جوهر الثقافة لا قشورها، من أجل بناء الشخصية الإنسانية القادرة على صناعة الحياة.
كما أن المجتمعات العربية بحاجة إلى القراءة لمواجهة تحديات المستقبل، والتخلّص من الأوضاع الاقتصادية الراهنة، ومحاولة تحسين جودة الحياة، وزيادة الإنتاج الأدبي، فهل تجد القراءة مكاناً لها في حياة المواطن العربي في ظل هذه المعارك الحياتية اليومية الطاحنة؟!
ولعل الإمارات تكون هي الدولة الوحيدة التي يعتمد اقتصادها الوطني على المعرفة والابتكار والإبداع والثقافة، فقد رأى حكماؤها من القادة الأفذاذ أن مفتاح التغلب على الصعاب والتحديات هو الارتقاء بالإنسان إلى آفاق غير مسبوقة، ولن يكون ذلك إلا بالقراءة الحقيقية التي تعنى باستخراج واستكشاف أفضل ما لدينا من مميزات، لأن الأوطان تبنى بالفكر المتحضر وترتقي بالمثقف الواعي.
وما كان أرشدَ حكومتنا حينما تطلعت إلى أن يعيش على أرضها مواطن بمرتبة قارئ ملهم حصيف، ما يجعله مؤهلًا لدحض الأفكار الباطلة وإظهار فسادها، ورؤية الواقع على حقيقته، والتحليل الرصين للأحداث، والقدرة على تفسير الظواهر السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وحماية نفسه ومجتمعه من كل التيارات المعادية، ليصبح مستعداً للمرحلة المقبلة لتحقيق أهداف كبرى، وتطلعات جديدة من التنمية في وطنه.
واستطاعت دولة الإمارات العربية المتحدة أن تكون في طليعة البلدان متسارعة النمو في الميادين كلها، لأنها أدركت أن النهضة الحقيقية في حياة الأمم لا تبدأ إلا بثورة معرفية وثقافية، ولهذا أطلقت الاستراتيجية الوطنية للقراءة (2016-2026)، بالإضافة إلى وضع قانون للقراءة، وهو الأول من نوعه، يتم وفقاً له تحديد المسؤوليات الوطنية والجهات الوطنية المعنية بتنفيذ الاستراتيجية في إطار عام القراءة 2016 الذي أعلن عنه الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حينها، كما أن مبادرة "تحدي القراءة العربي" التي أطلقها نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي  الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم تمثل سابقة حضارية وثقافية للنهوض باللغة العربية، ونشر الوعي بأهمية القراءة وأثرها في دفع المجتمعات المتحضرة نحو الإبداع والابتكار والإنجاز، وتحفيز المواطن على تنمية موهبته من خلال التنقيب المعرفي والتنوع الثقافي. وكان ذلك إيماناً منه بأن القراءة هي أول مدخل لتغيير الذات، وتحسين المهارات لدى الفرد، فهي كفيلة بأن ترفع الهمم وتخلق الدافعية بين الشباب.
ونؤكد أن المتخصصين والباحثين حينما أدرجوا "الثقافة" كإحدى أهم أولويات الدولة كان يراد من الشعوب الاستثمار في المعرفة والثقافة، بصفتهما أساس نهضة المجتمع وتطوّره، ولكي يصبح شغف المواطن بالقراءة هاجساً أصيلًا، بغية خلق فكر حر طليق لإنسان متسامح ومتعايش، وتعميق الوعي لتقدير ثقافات العالم.
ولقد استوعبت دولة الإمارات العربية المتحدة الدرس من المحن والأزمات التي تعانى منها الأمة العربية، فكانت الخطوة الأولى في تحقيق الأمن الثقافي ليس الوطني فقط بل الإقليمي أيضاً، وتطويع الغايات الكبرى من خلال تعزيز روافد القراءة، وتحقيق الأهداف العظيمة من خلال توفير مظلة من الأمن الثقافي للشعوب العربية، فضلًا عن إدارة المبادرات الخلاقة، وإنجاحها على كل الأصعدة، وإنتاج فعل معرفي وثقافي قادر على مواجهة التحديات الراهنة، ولمواجهة الهيمنة الثقافية المطلقة، والتبعية الفكرية التامة، لكي تغدو ثقافتنا مصدر فخر واعتزاز بتراثنا وقيمنا وأصالتنا.
وإن أهم أهداف مبادرات الإمارات في مجال الثقافة يتمثل في استرداد معالم الهوية العربية الإسلامية التي تم اختطافها على حين غرة، وسعت قوى الفساد والبغي إلى تشويه الثقافة الفكرية والعقدية وتزييفها، وتغييب العقل المسلم، لهذا أدركت الإمارات بأن القراءة ستكون جسر عبور لتحقيق الأمن الثقافي، كما تعدّ الثقافة ركيزة أساسية لا غنى عنها لمقاومة التنظيمات الإرهابية كلها، ومحاولة ناجعة لتوفير الثقافة الصالحة والمحصنة والحامية للوطن والمواطن.
ولقد كان من الضروري القضاء على التطرف والعنف والإرهاب، وذلك بالاستثمار في الثقافة والمعرفة والعلوم التي نهضت بها الحضارة الإسلامية في فترات ازدهارها، حين كانت على علاقات وثيقة بالثقافات الأخرى كاليونانية والهندية والصينية.
ولا يخفى أن الثقافة العربية حينما انفصلت عن الدين أصبحت مجتمعاتنا بيئة حاضنة للإرهاب، تجلى ذلك في عدم تقدير الممتلكات الثقافية من التراث والآثار في البلدان العربية ذات العراقة التاريخية.