نائب وزير الدفاع الروسي المعتقل تيمور إيفانوف (أرشيف)
نائب وزير الدفاع الروسي المعتقل تيمور إيفانوف (أرشيف)
السبت 27 أبريل 2024 / 13:14

هل يغير اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي قواعد الصراع بين النخبة الحاكمة؟

يعتبر إلقاء السلطات الروسية القبض على نائب وزير الدفاع تيمور إيفانوف، بتهمة الفساد تطوراً خطيراً في المشهد السياسي الروسي خاصة وأن روسيا تخوض حرباً ضروساً في أوكرانيا.

هذا يزيد بشكل كبير من مخاطر الاقتتال الداخلي بين النخب الحاكمة في روسيا

وفي تحليل نشره موقع مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، يقول الكاتب والباحث الروسي أندريه بيرتسيف، إن القبض على إيفانوف إشارة واضحة إلى عمق الانقسامات داخل الحكومة الروسية.

هجوم عدواني

والمجموعات النافذة المتنافسة على السلطة تهاجم بعضها البعض بعدوانية أشد مما كانت عليه قبل الحرب، ولم يعد الخطر قاصراً على اللاعبين المنفردين أو الممثلين الصغار لهذه المجموعات، وإنما وصل إلى الشخصيات المركزية أيضاً. ليس هذا فحسب بل إن وجود شخص مثل وزير الدفاع سيرغي شويغو المقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لم يعد كافياً لحماية شخص مثل نائب شويغو من عدوان الفصائل.

وجاء القبض على نائب وزير الدفاع بعد حضوره اجتماع مع زملائه في وزارة الدفاع وبينهم شويغو يوم 23 أبريل (نيسان) الحالي، بتهمة  الحصول على رشاوي. وتم إعلان نبأ القبض عليه في المساء، لكن دون صور لعمليات تفتيش عقاراته الفاخرة واكتشاف كميات ضخمة من الأموال السائلة في إحدى الخزن كما يحدث عادة في أنباء القبض على المتورطين في فساد في روسيا. وبعد ذلك ظهر إيفانوف في المحكمة بزيه العسكري، رغم أن المعتاد هو ظهور الجنرالات المقبوض عليهم بالملابس المدنية لتجنب تشويه صورة القوات المسلحة الروسية.

ويقول بيرتسيف الصحفي في موقع "ميدوزا" الإخباري إن كل المؤشرات تقول إن قرار القبض على إيفانوف وتنفيذه تم على عجل، وكان مفاجأة حتى لرئيسه المباشر وزير الدفاع الذي بدا مصدوماً من القبض على نائبه.

قضية تاريخية

بالطبع فإن هؤلاء الذين يقفون وراء قضية إيفانوف لديهم سبب وجيه جداً للتحرك بسرعة ضده، حيث أنها يمكن أن تتحول إلى قضية تاريخية بالنسبة لنظام حكم بوتين. فنائب وزير الدفاع هو أكبر مسؤول يتم القبض عليه بتهمة الفساد في روسيا، منذ القبض على ألكسي أوليوكايف وزير الاقتصاد السابق عام 2016 وبالطبع يمكن اعتبار إيفانوف شخصية أهم من أوليوكايف، باعتباره يتحكم في مبالغ مالية أكبر و يمتلك نفوذاً وسلطة أوسع.

وبحسب بيرتسيف فإن أوليوكايف كان يمثل نفسه داخل جهاز الدولة الروسية، في حين أن إيفانوف يعتبر ممثلاً بارزاً لفصيل نافذ في الدولة يضم شويغو نفسه، والملياردير  جينادي تيمشنكو المقرب من بوتين، ويوري فوروفبيوف نائب رئيس المجلس الاتحادي  الروسي وابنه أندريه فوروبيوف حاكم إقليم موسكو ومسؤولين ورجال أعمال آخرين أقل أهمية.

 وكان إيفانوف مصدراً لتريليونات الروبلات الروسية لأبناء فصيله، بمنحهم عقود كل مشروعات البنية التحتية التابعة لوزارة الدفاع. ولذلك فالاتهامات الموجهة إلى إيفانوف  بمثابة هجوم مباشر على مجموعة شويغو - تيمشينكو.

ويعتبر فيكتور زولوتوف رئيس الحرس الوطني الروسي والرئيس السابق لجهاز الحماية الاتحادية المسؤول عن حماية كبار المسؤولين الروس هو العدو المباشر لشويغو. وحاول زولوتوف  منذ وقت طويل السيطرة على وزارة الدفاع. حاول مرة في منتصف 2010 وأخرى في عامي 2022 و 2023 عبر تعيين مرؤوسه السابق وأحد حراس بوتين المفضين ألكسي ديومين وزيراً للدفاع.

وقبل 18 شهراً أطلق يفيغيني بريغوجين زعيم مجموعة فاغنر المسلحة الروسية حملة ضد شويغو بدعم من زولوتوف. وبالفعل أعدت مجموعة الحرس الوطني مرشحين اثنين لكي يحلا محل شويغو وهما ديومين والجنرال سيرغي سوروفيكين الذي يحظى بشعبية كبيرة في دوائر الجيش الروسي.

لكن شويغو نجح في التصدي لهذه المحاولات، بل وحقق نقاطاً على حساب خصومه.  فقد لقي بريغوجين حتفه في حادث تحطم طائرة غامض، في حين تم فصل سوروفيكين من منصبه. وفيما بعد نجح وزير الدفاع في استعادة ثقة بوتين ودعمه عندما نجحت القوات الروسية في إفشال الهجوم الأوكراني المضاد  واستعادة الروس زمام المبادرة في الصيف الماضي.

تمدد شويغو

ويمكن القول إن قضية إيفانون يمكن أن توقف تمدد فصيل شويغو في أفضل الحالات ووزير الدفاع سيكون مضطراً لتركيز جزء من انتباهه إلى ضمان ألا يتولى منصب نائب وزير الدفاع لشؤون البنية التحتية شخصاً من خارج الفصيل. وفي أسوأ السيناريوهات قد يضطر الوزير إلى الاستقالة إذا ما أدين نائبه بتهم الخيانة والكسب غير المشروع.

في الوقت نفسه فإن القبض على إيفانوف يعني تحلل الفصائل المتصارعة داخل دائرة الحكم الروسية، من الالتزام غير المكتوب بعدم المساس بالشخصيات الكبيرة داخل كل فصيل. كما تعني تجاهل خصوم وزير الدفاع لرأي الرئيس بوتين نفسه والذي يميل بوضوح إلى وزير دفاعه.

وهذا يزيد بشكل كبير من مخاطر الاقتتال الداخلي بين النخب الحاكمة في روسيا. وبمجرد أن يكسر أحد اللاعبين أحد المحرمات ويحصل على ميزة غير عادلة من خلال القيام بذلك، فإن المجموعات الأخرى الأكثر انضباطاً ستتبعه قريباً لتتغير قواعد اللعبة بين فرقاء  السلطة الروسية.

وينهي بيرتسيف تحليله بالقول إن الفصائل المتصارعة المحيطة بالرئيس بوتين توصلت إلى استنتاج مفاده أن الأفعال في هذه المعارك الضروس أعلى صوتاً من الكلمات، بما في ذلك كلمات بوتين نفسه. وفقاً لذلك، سيكون هناك المزيد والمزيد من هذه المعارك داخل النخبة الروسية، مع تآكل مستمر للقواعد الحاكمة لهذه  المعارك.