روسية مع طفلها في موسكو (أرشيف)
روسية مع طفلها في موسكو (أرشيف)
السبت 20 أبريل 2024 / 13:39

مشكلة سكانية في روسيا.. تراجع عدد الروس يهدد مستقبل البلاد جدياً

تشهد روسيا تراجع نموها السكاني بشكل مستمر منذ سقوط الاتحاد السوفييتي السابق.

ونقلت صحيفة " نيزافيسمايا " الروسية عن مركز تحليل الاقتصاد الكلي والتنبؤات، أن الوقت حان لتعترف الحكومة الروسية بفشل سياساتها في تحفيز الإنجاب، وذلك بعد أن سجل عدد المواليد في 2023 أقل مستوياته منذ تفكك الاتحاد السوفيتي السابق باستثناء  1999، الذي يمثل أقل معدل للمواليد، حيث أقرت لجنة الإحصاء في روسيا  أن  2023 شهدت عدد مواليد يصل إلى 1.264 مليون طفل بما يمثل ثاني أقل معدل مواليد بعد 1999 التي شهدت ولادة  1.214 مليون طفل.

والأكثر من ذلك وفقاً لتقرير لجنة الإحصاء الفيدرالية الروسية هو أن هذا الاتجاه في تراجع معدلات المواليد سيستمر للسنوات المقبلة حيث توقع تقرير للجنة أن يستمر التراجع في 2024 ليصل إلى 1.170 مليون طفل وفي 2025 إلى نحو 1.150 مليون طفل بينما في 2026 لن يزيد عدد المواليد عن 1.140 مليون طفل.

وربما تبدو الصورة أوضح إذا ما أشرنا إلى أن عدد الوفيات في روسيا في العام الماضي وصل إلى 1.79 مليون نسمة وهو ما يعني أن عدد السكان في روسيا تناقص بـ 495.2 ألفاً. 


وأكد إيغور يفريموف الباحث في معهد غايدار للسياسة الاقتصادية لصحيفة " أر بي سي " الروسية أن استمرار التناقص في السكان في روسيا يمثل عامل تهديد مباشر لخطط التنمية، وشدد على ضرورة أن تتحلى سياسات السلطات الروسية في هذا الشأن بالواقعية أكثر منه بالطابع المحافظ، وحذر من استمرار هذه المعدلات، التي تعيد رسم الخريطة الديموغرافية في روسيا بشكل جذري، وقد يقود ذلك إلى تغيير طابع التركيبة السكانية ذاتها .

عوامل 

في أحاديثه المتكررة عن الأزمة السكانية في روسيا حرص الرئيس الروسي على التأكيد أن معدلات تراجع المواليد في روسيا في العقود الأخيرة أشد منه في الحرب العالمية الثانية. ويشير ألكسي راشكا الخبير الروسي في العلوم السكانية في حديثه مع صحيفة " فيدوميستي " الروسية إلى أن كلام الرئيس الروسي يعكس جانباً كبيراً من الواقع حيث أن استمرار معدلات التراجع في المواليد في روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي يرتبط في الأساس بتردي الأوضاع الاقتصادية في التسعينيات وهو ما يسمى " بالمستنقع السكاني الأول " حيث أن جيل التسعينيات عندما وصل إلى المرحلة التي ينبغي أن يقيم فيها الأسر ويقبل على الإنجاب، بدا أنه مازال متأثرا بالأوضاع الاقتصادية السيئة التي نشأ في ظلها والتي تجعله يخشى تكوين الأسرة والإنجاب.
والعامل الثاني الذي لا يقل أهمية فهو مرحلة كورونا، حيث شهدت روسيا ارتفاعاً في معدلات تراجع الإنجاب وفي نفس الوقت تزايد معدلات الوفيات.

أما العامل الثالث فهو العامل الذي ربما ألمح إليه الرئيس الروسي بحديثه عن مرحلة الحرب العالمية الثانية، وهي الحرب الفعلية التي تعيشها روسيا منذ سنوات، بالمواجهات العسكرية المباشرة أو من خلال العقوبات الغربية التي يصر الغرب على فرضها وتشديدها عليها. 
في نفس الوقت يشير ميخائيل دينيسنكو مدير معهد السكان في المدرسة العليا للاقتصاد في روسيا إلى نتائج الدراسات الاجتماعية على الأجيال المختلفة في روسيا منذ بداية التسعينات، والتي خلصت إلى أن الظروف الاقتصادية دفعت الشباب لمواصلة التعليم ما بعد الجامعي بحثا عن فرص عمل أفضل، وهو ما أدى إلى انشغالهم لأوقات طويلة عن الحياة الشخصية، إلى جانب ارتفاع سن الزواج، وتكوين الأسرة، وبعد الزواج ينشغل الزوجان في تدبير نفقات الحياة، وتطوير الذات لفترات طويلة وهو ما يجعلهما لا يفكران في الإنجاب إلا في فترة متأخرة بحيث يقتصر الإنجاب على طفل واحد فقط في غالبية الأسر وفي حالات قليلة على طفلين.

ويمكن القول بأن روسيا وهي في سبيلها لحل المشكلة الديموغرافية لجأت إلى حلول مبتكرة تقليدية وغير تقليدية، وتمثلت الحلول التقليدية فيما قررته السلطات في 2007 بتخصيص حوافز مالية كبيرة عند ميلاد الطفل الثاني، وما بعده بحيث يمكن استثمار هذه المساعدات في شراء منزل أو في تعليم الطفل فيما بعد، إلى جانب توفير خدمات نوعية لرعاية الطفل وتشجيع الأسر على الإنجاب، وهو ما أدى بالفعل إلى زيادة معدلات المواليد بالتدريج حتى وصلت ذروتها في 2014 وسجلت 1.943 مليون طفل، ولكن كانت المفاجأة هي أن معدلات المواليد تراجعت مرة أخرى بدءاً من 2015 إلى أن وصلت أقل معدلاتها في 2023.
ومن هنا قرر الرئيس الروسي تعزيز برنامج تشجيع بناء الأسر عن طريق تقديم منح شهرية عند ميلاد كل طفل إلى جانب منحة مالية كبيرة نحو 10ألاف دولار عند ميلاد كل طفل، كما قرر تقديم تسهيلات للأسر في الحصول على قروض مالية لشراء المساكن، والتوسع في إنشاء دور الحضانة لمساعدة الأسر في رعاية الأطفال.

أما الحلول غير التقليدية وغير المعلنة فهي ربما تتمثل في ضم أقاليم ومناطق جديدة للدولة الروسية مثلما هو الحال مع القرم وسيفوستوبول وأقاليم دونباس حيث ضمن ذلك لروسيا زيادة في السكان تصل إلى 3.2 مليون.
كما تعمل روسيا على تشجيع الأجانب على الدراسة فيها بحيث تنتقى منهم من يصلح للجنسية الروسية، ناهيك عن تشجيع كل صاحب تخصص نادر أو مبدع في تخصصه على الانتقال والعيش والعمل في روسيا ومنحه الجنسية.