الخميس 18 أبريل 2024 / 16:03

المجتمع الدولي.. الضمير و"المُسَاءلة الراهنة"

تتعرض المؤسسات الدوليَّة لأزمة حقيقيَّة في بعدها الإنساني، نتيجة انعدام الثقة، سواء أكانت نابعةً من التحيز أو من عدم القدرة على تنفيذ القرارات لأسباب موضوعية، وتبعاً لذلك يجد المجتمع الدولي نفسه أمام مساءلة إنسانية وتاريخية وحضارية على النحو الذي نعيشه اليوم جراء حرب الإبادة وسياسة التجويع المنظم في غزة على خلفيَّة أحداث السابع من أكتوبر الماضي.
من النَّاحية النَّظرية في الغالب، والتطبيقية في بعض الحالات، فإن أي مساءلة للمجتمع الدولي من خلال مجلس الأمن، أو الجمعية العامة للأمم المتحدة لجهة تحقيق العدالة أو التقليل من الظلم وتبعاته باستعمال القوة عند الضرورة، تجد إجاباتها في استعمال بنود الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والذي تحول في السنوات الأخيرة إلى عصا يُلوَّحُ بها ضد الدول المستضعفة والمغلوبة على أمرها.
لقد نصّت مواده من 39 إلى 51 عن الأعمال الواجب اتخاذها من طرف مجلس الأمن في حالات تهديد السلم، والإخلال به، ووقوع العدوان، وهذه الحالات الثلاث الرئيسة التي جاءت عنوانا لهذا الفصل متحققة اليوم على أرض فلسطين، وتحديدا في غزة.
من الوقائع الدّالة على ذلك ميدانيّا تلك التي ذكرها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الجمعة الماضي (5 أبريل الجاري) في قوله: "إن قطاع غزة يواجه أزمة جوع كارثية إذا لم يتم إيصال شحنات مساعدات إضافية.. وأن أكثر من نصف سكان غزة يواجهون جوعاً كارثياً.. وأن لا شيء يمكن أن يبرر العقاب الجماعي للفلسطينيين".. وهل هناك حالة أكبر من هذه تهدد السلم العالمي، وتوسع من العدوان، وتؤثر سلبا على مسارات الإنسانية ومصيرها؟!
الخطاب العالمي على المستوى المؤسساتي، ممثلا في مجلس الأمن، يطالب بإجماع الأعضاء ـ تقريبا ـ بتوقيف حرب الإبادة ضد الفلسطينيين، لكنه لا يتبع ذلك، ولو من باب التخويف أو التلويح، باستخدام مواد الفصل السابع من الميثاق الأممي، فهو لم يدعُ مثلاً إلى تطبيق المادة41 التي نصت على الآتي: "لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء الأمم المتحدة تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفا جزئياً أو كليا وقطع العلاقات الدبلوماسية"
قد يكون السبب وراء ذلك العلاقة الحميمة والاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، لكن الموقف الأمريكي الأخير يَشِي بتغيَّر جزئي منتظر في تلك العلاقة، أقلها على المستوى التكتيكي، يخدم بالأساس إسرائيل، لفكّها من عزلة دوليَّة تلوح في الأفق في حال مواصلتها حرب الإبادة والتجويع ضد الفلسطينيين، لكن المؤكد أن المجتمع الدولي لا يزال محافظاً على بقيّة من الضمير الإنساني، وإن لم يتحول ذلك إلى قرار عملي ملزم للأطراف المتنازعة، وأيضا للدول الأعضاء في مجلس الأمن.
ومع ذلك كله، فمن غير المنتظر أن يطبق بنود الفصل السابع، وخاصة المادتين( 42 و43)، اللتان تنُصَّان على استخدام القوة من طرف مجلس الأمن بموافقة ودعم من أعضائه، ليس فقط لعمق العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل ـ كما سبق الذكر ـ وإنما أيضا لوجود تكتلات وتحالفات على المستوى الدولي، منها من هو مؤيد لإسرائيل، حتى لو رفض أو انتقد سلوكها الحربي الراهن، إضافة إلى وجود دول منشغلة بقضاياها المحلية والإقليمية، وأقصى ما يمكن أن تقدمه هو المساعدات الإنسانية بغض النظر عن وصولها من عدمها، وأخرى مكتفيَّة بتصدير مواقف الإدانة ترضية لحركة الشارع، وتجاوباً مع رد فعل الرأي العام.