الثلاثاء 16 أبريل 2024 / 09:18

إيران - إسرائيل.. لا تصدقوا البطولات الوهمية

د. أحمد لاشين - الدستور المصرية

أعلم أن الأمر يبدو محيراً ومتداخلاً إلى حد بعيد، فالشارع المصري والعربي مرتبك في تقييم العمليات العسكرية المحدودة التي قامت بها إيران مؤخراً ضد إسرائيل يوم 14/ 4/ 2024، رداً على الاعتداء الصاروخي الذي قامت به دولة الاحتلال ضد السفارة الإيرانية في دمشق، ما تسبب في قتل 7 من قيادات الحرس الثوري، على رأسهم محمد رضا زاهدي نائب قائد فيلق القدس، منذ عشرة أيام.

فهل نحن أمام عملية نوعية فريدة من نوعها، هددت عرش إسرائيل؟! أم أمام مجرد بطولة وهمية قام بها النظام الإيراني لحفظ ماء الوجه أمام شعبه، ولإثبات قدرة عسكرية وهمية أمام المجتمع الدولي؟
وحتى نصل إلى إجابة شافية علينا أن نناقش الأمر من عدة زوايا، علنا نهتدي، فلا نقع في فخ البروباغندا الإعلامية الإيرانية أو الإسرائيلية، ونحكم عقولنا ومصالح الوطن قبل أن ندخل في حالة من تغييب للوعي بلا طائل.
وسأحاول أن أكون محدداً في نقاط واضحة لا لبس فيها:
أولاً: منذ بداية أزمة غزة في 7 أكتوبر(تشرين الأول) الماضي، قامت إسرائيل بما يقارب 25 عملية عسكرية في الأراضي السورية، سواء باستخدام الطائرات الحربية أو الصواريخ أو المسيرات، بهدف مهاجمة عناصر الحرس الثوري وقيادتهم المنتشرين في العديد من المحافظات السورية، كانت محصلة تلك الهجمات حوالي 152 قتيلاً من عناصر الحرس الثوري ومن والاهم من عناصر حزب الله في لبنان أو العراق، على رأسهم "سيد رضى موسوي" أحد أهم قيادات فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني يوم 25 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، كما تمت تصفية 11 عنصراً من الحرس الثوري يوم 28 ديسمبر، وقبل الجيمع اغتيال "قاسم سليماني" الذي اعتبر الرمز الأهم للنظام الإيراني، وقائد فيلق القدس الأكثر لمعاناً وشهرة عام 2020. كل ذلك ولم تحرك إيران ساكاناً، بل لم تقم بأي محاولة انتقامية كما حاولت في عمليتها الوهمية الأخيرة.
ثانياً: منذ عدة أشهر وقع حادث إرهابي ضخم في مدينة كرمان في إيران، كان ضحيته حوالي 90 مواطناً إيرانياً، ورغم إعلام داعش مسؤوليته الكاملة عن الحادث، إلا أن النظام الإيراني قرر انتهاك إسرائيل بشكل مباشر ورسمي، واعتبر أن حادثة كرمان، ما هي إلا رد فعل من الكيان الصهيوني نتيجة لدعم إيران لمحورها بشكل عام. ورغم ذلك وجهت إيران ضربات صاروخية بلا قيمة على بعض مراكز جماعة "جيش العدل" في باكستان، وداعش في سوريا والعراق، واكتفت بحرب كلامية إعلامية ضد إسرائيل، رغم ضلوع إسرائيل في الحادث الإرهابي بشكل واضح.
ثالثاً: استخدمت إيران في عملياتها العسكرية الأخيرة ضد إسرائيل، 185 طائرة مسيرة من طراز " شاهد 136" ذات مدى يصل إلى 2000 كليومتر، وطراز "كرار" ذات مدى 1000 كم، ولكنها تُعد من أضعف المسيرات التي تمتلكها إيران، فسرعتها لا تتجاوز 185 كم/الساعة، وهي سرعة قد تستغرق ست ساعات كاملة لتصل من غرب إيران إلى العمق الإسرائيلي، وكانت هذه المدة كافية ليسقط معظمها بواسطة القوات الأمريكية والأردنية قبل الوصول إلى حدود إسرائيل، رغم امتلاك إيران أنواعاً أكثر جودة وسرعة من الطائرات المسيرة، بل إنها تُعد الداعم الرئيسي لروسيا في حربها ضد أوكرانيا، بمدها بالمسيرات ذات الكفاءة العالية، كما استخدمت إيران 110 صواريخ باليستية من طرز "خرمشهر" و"سجيل" و"فتاح"، وهي طرز ذات فاعلية بسيطة، أمام طراز آخر مثل "خيبر"، صاحب القوة التدميرية الأفضل من سابقيه.
فلماذا استخدمت إيران تلك الأسلحة ذات التأثير المحدود والتي لم تُختبر بشكل فعلي قبل ذلك في عمليات حربية مفتوحة، لضرب إسرائيل في عملية وصفتها بالانتقامية، وسمتها "الوعد الصادق" في إشارة لأهمية وقدسية الحدث العسكري؟! ما يؤكد أن الحرس الثوري لم يستهدف إلا القيام بمغامرة عسكرية يثبت فيها نفوذه الإقليمي لا أكثر، خاصة أن إيران استخدمت محورها في إطلاق المسيّرات، أو ما أطلقت عليه الهجوم المركب جغرافياً ولوجستياً، فاستخدمت حزب الله في لبنان، والميليشيات في العراق، والحوثيين في اليمن، كنوع من أنواع استعراض القوة، وإظهار السطوة الإيرانية على مختلف الجبهات.
رابعاً: المحصلة النهائية للعملية الإيرانية، معدومة، فلم تتم إصابة جندي إسرائيلي واحد، رغم ادعاء الحرس الثوري أنه تمكن من قتل 44 ضابط موساد إسرائيلياً، ولكنه أمر غير مثبت ولم يتم الاعتراف به رسمياً، ما يعكس عدم جدوى العملية النوعية التي قامت بها إيران، فضلاً عن أنها عملية محددة التوقيت منذ ثلاثة أيام تقريباً، ومعلن عنها، وبتنسيق كامل مع الولايات المتحدة وإدارة الرئيس بايدن، ما يعكس أنها ضربة عسكرية متفق عليها محددة الأضرار سلفاً، فأي عمل بطولي قامت به إيران في عملية لم تحقق أي خسائر للطرف الآخر، لا على مستوى الأفراد أو المنشآت!! بل إن العكس تماماً هو ما حدث، فلقد نال النظام الصهيوني دعماً دولياً شبه كامل، ومدداً عسكرياً أمريكياً لن ينتهي، والأهم تراجع أزمة غزة وحروب الإبادة والتجويع، التي تقوم بها إسرائيل، سياسياً وإعلامياً أمام تحقيق الأمان الكامل للكيان الصهيوني، ضد الشيطان الإيراني كما يصفه الإعلام الإسرائيلي.
إذاً ومع وضع كل ما سبق في الاعتبار، يُطل التساؤل الأهم، لماذا تورطت إيران في عملية بهذا التعقيد السياسي والعسكري، دون تحقيق الأهداف المنشودة أو المعلن عنها في ظل وضع إقليمي مأزوم، وعلى وشك الانفجار؟
إجابة هذا التساؤل تنقلنا مباشرة إلى الداخل الإيراني، وما يتعرض له من أزمات، فعملية "الوعد الصادق"، مثلت قبلة الحياة للنظام الإيراني وبسط مزيد من النفوذ على المجتمع في الداخل، وهذا ما سنحاول رصده في النقاط التالية بشكل واضح:
أولاً: النظام الإيراني يعاني من قطيعة سياسية مع المجتمع بمختلف طوائفه، قطيعة ظهرت بوضوح في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي تمت في مارس (آذار) الماضي، والتي تمت من خلالها انتخابات مجلس الشورى (البرلمان)، وكذلك "مجلس الخبراء" المنوط به اختيار المرشد حال وفاة المرشد الحالي، واضعين في الاعتبار أن آية الله خامنئي، يعاني من التقدم في العمر، وحالة صحية متدهورة. المشكلة الحقيقية، أن نسبة المشاركة الشعبية لم تتجاوز الـ40%، وهي نسبة ضئية جداً في مقابل من لهم حق التصويت، ما أخرج المشهد الانتخابي العام في صورة تجسد عزوف الشعب عن مشاركة النظام في مسرحية هزلية، أوصلت التيار الأكثر تشدداً في إيران إلى السيطرة على مجلسي الشورى والخبراء. وكان لزاماً على النظام الإيراني أن يُقدم حدثاً جللاً، أو يبدو كذلك ظاهرياُ، ليوحد الجبهة الداخلية خلف معركة وهمية تخوضها إيران ضد عدوها الإعلامي الرسمي إسرائيل، في محاولة للقفز فوق نتائج الانتخابات الأخيرة التي وضعت المجتمع في حالة غليان مكتوم.
ثانياً: تمر إيران بأزمة اقتصادية طاحنة منذ عدة أشهر، فلقد وصل الدولار الآن إلى ما يقارب الـ70 ألف طومان إيراني، ونسبة التضخم وصلت إلى حدود 50%، بالإضافة إلى نقص كبير في المواد الغذائية، وتحديد عدد أرغفة الخبز للمواطن الإيراني خارج دعم الدولة، وتعرض الحكومة للكثير من الاعتصمات المدنية المتكررة للعديد من العمال في القطاعين العام والخاص، نتيجة لتأخر الأجور الذي قد يصل إلى ثلاثة أشهر متواصلة. ورغم كل محاولات النظام الإيراني أن يُقدم حلولاً جذرية للخروج من الأزمة الاقتصادية، يصل إلى طريق مسدود، والمجتمع الإيراني في حالة معاناة دائمة، قد تتسبب في انفجار لا تُحمد عقباه، فكان لزاماً على النظام أن يُقدم على مغامرة محسوبة، لينقل الأزمة برمتها إلى خارج الحدود، خاصة أن سياسة حفظ ماء الوجه التي اتبعها النظام الإيراني خلال الأزمات المتصاعدة مع إسرائيل، قد انكشف زيفها أمام المجتمع في الداخل، فكانت عملية "الوعد الصادق" التي ستنقذ النظام الإيراني من حالة الفشل في إدارة الملف الاقتصادي لفترة طويلة.