الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط(أرشيف)
الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط(أرشيف)
الأحد 27 نوفمبر 2016 / 14:54

أبو الغيط: لا يوجد في واقعنا العربي ما يريح البال أو يمنح الأمل

24 ـ القاهرة ـ أكرم علي

قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إن أنات الألم والمعاناة ترتفع من كل ركن تقريباً في العالم العربي، وأن المنطقة تمر بواحدة من أكثر اللحظات خطورة في تاريخها الحديث، وأن الكثيرين من المواطنين العرب لم يعودوا يفهمون ما يجري، وهم يفجعون لرؤية الدمار والقتل اليومي على شاشات التلفزيون، وكثيراً ما يختلطُ الأمر عليهم فلا يميزون الجناة من الضحايا، لا يعرفون من يقتل من، ولا يفهمون لماذا يسيل الدم العربي أمام أعيننا بهذه الغزارة، وكأن ذلك صار أمراً عادياً أو شأناً عابراً.

حالنا يُشبه نملةً تسير على سجادة هائلة الحجم، فلا تستطيع أن تستبين تصميمها الكلي أو الصورة الكبيرة المرسومة عليها

وأوضح أبو الغيط خلال كلمته في الجمعية المصرية للقانون الدولي اليوم الأحد، أن "كل هذه الأسئلة تشغل المواطن العربي، بل تؤرقه وتعذبه، وهذا المواطن لا يعنيه فقط حاضره، وإنما يهمه أن يعيش أبناؤه في أوضاع أفضل، وأن تتوفر لهم فرص أكثر، وليس في واقعنا الراهن، للأسف الشديد، ما يطمئن أو يهدئ البال أو يمنح الأمل".

وأشار الأمين العام إلى أن "الصورة صارت مختلطة ومشوشة حتى ضاعت معالمها، وفي سعينا لاستيضاح المشهد الراهن، بكل تعقيداته وتداخلاته، فإن حالنا يُشبه نملةً تسير على سجادة هائلة الحجم، فلا تستطيع أن تستبين تصميمها الكلي أو الصورة الكبيرة المرسومة عليها".

وقال أبو الغيط: "نواجه اليوم سؤالين كبيرين: ما الذي يجري؟ وكيف نخرج مما نحن فيه؟ ولا غنى عن إجابة السؤال الأول من أجل محاولة العثور على جواب للسؤال الثاني. فبدون تشخيص سليم للمرض لا أمل في العلاج".

وشدد أبو الغيط على أن "القاسم المُشترك بين أزمات الدول العربية هو العجز عن صهر الولاءات الأولية، للقبائل والعشائر والمذاهب والمناطق، في بوتقة وطنية جامعة، وهذا العجز صاحب الدولة العربية منذ نشأتها. تتحمل نخبنا المسؤولية عن استمراره بهذه الصورة القبيحة والمُفزعة، والانفجار الذي نشهده اليوم في سوريا والعراق وليبيا واليمن، ليس سوى نتيجة طبيعية لتنازع الهويات، وضعف الولاء للدولة الوطنية باعتبارها عنوان الانتماء، في غياب الولاء لعلم الدولة، يُطل الانتماء للقبيلة، في غياب الانصهار في الجيش الوطني، تظهر الميلشيات والعصابات، وعندما تُكسَر وحدة السلاح، تتعدد البنادق، وتتكاثر الولاءات، وتغرق الأوطان في الفوضى".

وأوضح أبو الغيط أن "الدولة العربية لم تواجه التهديد من كيانات أصغر منها فحسب، وإنما أيضاً من أحلام أو قل أوهاماً أكبر، ولقد شهدنا من يُبشرون بالانتماء للخلافة الإسلامية، وينسبون أنفسهم زوراً لها، هؤلاء أيضاً يقصمون ظهر الدولة الوطنية، يضربونها في مقتل لأنهم يُبشرون بكيان أكبر منها لا وجود له سوى في خيالاتهم. هم يستغلون ارتباطنا الوجداني بتجربة الخلافة الإسلامية ليقفزوا إلى السلطة. وجميعنا شاهد ما يفعلونه عندما يتربعون على كرسي الحكم، وكلنا رأينا بأعيننا حقيقة ما يدعون إليه في الرقة والموصل وسرت. اعدامات بالجملة، واستعباد للنساء، ترويع للعباد وخراب للبلاد”.

وأشار إلى أن هذا الارتباك تبدو الأزمات العربية أكثر تعقيداً، ونرى بزوغاً وتضخماً لطموحات قوى إقليمية تُريد الانقضاض على ما تراه غنائم لها، ومكاسب يتعين عليها تحصيلها، وبعض هذه القوى لا يرغب سوى في الهيمنة والسيطرة وبسط النفوذ على البلدان العربية. نشهد كذلك أجندات جديدة لقوى دولية صاعدة تطمح لإزاحة القوة العظمى المُهيمنة وتُريد أن تلعب دوراً، وأن تكسب أرضاً. وهذه القوى وتلك تستشعر الفراغ الذي نتج عن تآكل الدول وتفتيتها. هي تريد أن تتمدد في هذا الفراغ لتملأه تبعاً لمصالحها وتحقيقاً لأهدافها.

ودعا أبو الغيط لتجديد مفهوم الدولة الوطنية في العالم العربي، وأن يعمل الجميع لكي تصير هذه الدولة مقرونة بكل معاني الحكم الرشيد والعدالة، أن تكون "دولة كل مواطنيها" بحق، فلا تقوم على مذهب أو تستند إلى عرق. لا تنفرد بها فئةٌ أو جماعة، ولا خروج للعالم العربي من هذه الأزمة الكبرى إلا بالتلاحم والتعاضد بين مكوناته الأساسية، وان الأزمة فرضت على دول عربية أن تتداعى لنجدة دول أخرى.